ماذا نقول لأبنائنا عندما يسألوننا: ماذا يجري حولنا؟

هل من الأفضل ألَّا تشاهد المحطات الفضائية، حفاظاً على خلايا عقلك وأن تُبقي عينيك في أمان، لأن إضاعة الوقت لن يعيد ذلك الزمان، فالزمن يسير إلى الأمام والحياة رحلة محددة لكل منا.

لقد وقع الإنسان العربي في حيرة من أمره، فهل يصدق ما يشاهده على الشاشات من مشاهد قتل وذبح ودمار وخراب، وهل يصدق ما جاء في تلك البيانات التي تذاع عبر المحطات، والتي هي أول ما يقدم عليه النظام الحاكم سواء في حالة الانقلاب العسكري، أو الأزمات الاقتصادية، أو الاتهامات المتبادلة بين الأحزاب وبعضها وبينها وبين الأنظمة الحاكمة، وكيف تشتعل الأزمة تلو الأخرى بطرق غير معروفة، وكأن هناك من يصنعها خصيصاً لأهداف ومصالح خاصة.

بالأمس وجّه لي أحد الأبناء سؤالاً: ماذا يجري من حولنا؟

أيقنت أنه سؤال ذو لغم جديد، حتى يقول لي لا تكرر الإجابة كما هي الحال دائماً.

في الوقت الذي كانت فيه السماء تطلق الرعود والبروق، وكانت حبات المطر تغسل التلوث الذي يضرب العالم، وكانت المغنية وردة الجزائرية، تشدو قائلة «خليك هنا بلاش تفارق»، بصوتها الشجي وأغنياتها الرائعة الباقية للأبد، ولن تستطيع ممحاة الزمن أن تزيلها.

تلك «الوردة» تعيش في الربع الخالي، متحدية كل جيوش الطبيعة وقوتها. كان الحزن واضحاً على محياها، على الأحباء والأهل الذين هاجروا عن الأوطان والديار، والذين يدمي القلب فراقهم، مهما حاولت إخفاء ذلك، الهجرة والهروب من الأوطان باتت سمة المرحلة التي نعيشها الآن، إنه الفرار من الموت والقتل إلى المجهول.

دمعة على عرب هاجروا عن ديارهم إلى بقاع مختلفة من هذا العالم الواسع، فهم في أوروبا وأستراليا وربما حتى بالقطب الشمالي والجنوبي بحثاً عن الأمن وهرباً من الرعب الذي يعشش في قلوبهم، عندما يصغون إلى البيانات التي تبثها المحطات، يتمنون أن يأتيهم خبر سعيد من الوطن البعيد يعطيهم الأمل يوماً ما أن يعودوا للوطن والأهل والبيت.

قال صديقي: ما رأيك أن نلعب الورق (كوتشينة) ونرى أين يميل الحظ، ومن سينتصر في الورق وعلى الورق، لأن الانتصارات على الأرض أصبحت ضبابية.

قلت لصديقي: أفضّل لعبة الشطرنج لأنها تعطيني القدرة على مراقبة الآخر، خاصة حينما يقول (كش ملك)..

وهنا تُسدل الستارة على فصل آخر من حياة العرب وهم يرقبون المحطات، أو يُهجّرون من أوطانهم، أو يغمضون أعينهم ليعيشوا حنيناً إلى زمنهم الجميل.. زمن لن يعود أبداً.

إنها لنعمة كبيرة أن تعيش في وطن آمن هادئ مستقر ومتحضّر ومتطوّر، وطن يحسدك عليه الآخرون، وطن تؤمن قيادته بالإنسان أولاً وقبل كل شيء، وحقه في الحياة الآمنة والمستقرة والسعيدة أيضاً، في مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، بلد التسامح، وعلى مدى سنوات طويلة عاشت فيه على أرض هذه الدولة العديد من جنسيات الشعوب الأخرى، ومختلف الديانات، وغيرها في سلام ووئام، ولمع فيها وجود المساجد والكنائس وغيرها من المعابد في جو من الوئام والمودة والتسامح واحترام الآخر. هنا في الإمارات حيث يشعر الإنسان بالاطمئنان والراحة، لا أحد يذكر أن أحداً تعرض للمساءلة بسبب المعتقد، ولم يحاسب قانونياً أي إنسان فيما يؤمن به، طالما هناك احترام للقوانين وللعادات والتقاليد والأعراف على امتدادات الدولة.

كان رهان المتشائمين هو «كيف لهذا البلد أن يظل حاضراً سياسياً وجغرافياً واجتماعياً وثقافياً؟»، وكان رهاناً خاسراً بكل تأكيد، فها هي الإمارات تحتفل سنوياً بيومها الوطني ويرفع الأطفال علم الدولة فوق بيوتهم اعتزازاً بوطنهم وتقديراً لخلوده، لتلك الأبواب التي لا تُغلق، ولتلك البيوت التي تسهر بانتظار الغد المشرق، إنه وطن الخير والتسامح، وطن يمنح الإنسان حيزاً مطمئناً للعيش المشترك، وطن ننظر إليه بتقدير عندما نشاهد العالم يلفه الظلام، عندما نشاهد طوابير الناس يهاجرون من أوطانهم، نشعر بالامتنان أننا نعيش على هذه الأرض، أرض الخير، خير الإمارات.