لم يكن إعلان الولايات المتحدة، عن عزمها تصنيف جماعة «الإخوان المسلمين» كتنظيم إرهابي مفاجئاً، في سياق نهج إدارة الرئيس دونالد ترامب في مكافحة الإرهاب بمختلف توجهاته، فقبل أن تعلن الإدارة الأمريكية عن نواياها باتجاه الإخوان، كانت قد وضعت الحرس الثوري الإيراني ضمن قوائم الإرهاب، ما يؤشر على أن هذه الإدارة تمتلك رؤية واضحة في التعامل مع ملف الإرهاب، وتذهب بشكل مباشر في إجراءاتها للتعامل مع جذور الأزمات، ولذلك، يمكن مراقبة تصريحات الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته مايك بامبيو، إضافة لرئيس مجلس الأمن القومي، جون بولتون، الذين يحملون في كافة الملفات المتعلقة بالإرهاب، خطاباً واضحاً، يتجلى في تعاملها مع كل الملفات في الشرق الأوسط والعالم.
في حال أدرجت واشنطن الإخوان على قائمة المنظمات الإرهابية، فإن ذلك سيجعلها هدفاً للعقوبات والقيود الأمريكية فوراً، بما في ذلك حظر السفر، وغيرها من القيود على النشاط الاقتصادي، ومن شأن التصنيف أيضاً، أن يجرم على الأمريكيين تمويل الجماعة، ويحظر على البنوك أي معاملات مالية لها، فضلاً عن منع من يرتبطون بالإخوان من دخول الولايات المتحدة، وتسهيل ترحيل مهاجرين عملوا أو يعملون لصالحهم.
وتصنف دول، بينها روسيا ومصر والإمارات والسعودية، تنظيم الإخوان المسلمين، التي أسسها حسن البنا عام 1928، منظمة إرهابية، وتجرم التعامل معها.
أخطر ما انتهجته جماعة الإخوان، يبقى في التنظيم السري الذي شكل على مدار ما يقارب القرن من الزمن، الأداة الأكثر خطورة، فلم يعرف العالم تياراً يوازي الحركة الماسونية في سريتها، غير تنظيم الإخوان، ولعل العالم السري الذي تشكل منذ تأسيس جماعة الإخوان على يد حسن البنا، واستمرت على مدار العقود التسعة الماضية، تعمل على هدف السيطرة على السلطة السياسية في العالم العربي.
السرية التي ينتهجها تنظيم الإخوان، هي التي تفسر مواقف تركيا وإيران، وهما الدولتان الوحيدتان اللتان اعترضتا على الخطوة الأمريكية، وهذا يعيدنا بالنسبة لإيران إلى عام 1938، عندما التقى الخميني بقيادات الجماعة، وبلغ تأثر الخميني والتيار الشيعي، أعلى درجاته، من خلال التأثر الواضح بأدبيات سيد قطب على مختلف مناهج الفكر الشيعي السياسي المعاصر.
في عام 1991، وجّه حسن الترابي دعوة لقيادات التنظيم الدولي للإخوان، لحضور المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، وكان أول لقاء علني يجمع الإخوان والقيادة الإيرانية في العاصمة السودانية الخرطوم، جاء ذلك الاجتماع، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وبعد شهرين فقط من تحرير دولة الكويت، ويعد ذلك الاجتماع الذي عقد على مستوى قيادات الصف الأول، هو الذي حمل التغييرات الواسعة في المشهد، عندما تصاعد العنف من استهداف مدينة الخبر السعودية، إلى مشاركة الإخوان في حرب اليمن صيف 1994، والوصول إلى تشكيل تنظيم القاعدة، تحت قيادة أسامة بن لادن، وحتى تفجيرات نيروبي ودار السلام، التي أظهرت وجه العنف الذي تحمله التيارات المتشددة إسلامياً.
بعد هجمات سبتمبر 2001، والهجوم الأمريكي على أفغانستان للقضاء على قيادات تنظيم القاعدة، كانت تلك القيادات المستهدفة أمريكياً، قد وجدت ملاذاً آمناً في التراب الإيراني، التي تعاملت مع قيادات تنظيم القاعدة، ووفرت لهم الغطاء والحماية الكاملة. التقاطعات الإيرانية الإخوانية، ترتكز على توافقات انطلقت من مبدأ السرية في التحرك على كافة المستويات، وهذا لم يأتِ من غير أرضية جمعت بينهما، كما حدث في السودان عام 1991.
ويلاحظ أن إيران ازداد نشاطها، بعد مشاركتها في المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، الذي مثلها أعضاء في الحرس الثوري، وكذلك الاستخبارات الإيرانية، وعرفت تلك المرحلة تزايداً لنشاط حزب الله اللبناني، الذي تزامن أيضاً مع نشاط تنظيم القاعدة وعملياته الإرهابية العابرة للقارات، وكان مجرد نقل هذه الواجهات، سواء القاعدة أو حزب الله من نطاقاتها المحلية، إلى نطاقات تتجاوز محليتها، لتحمل عنواناً أممياً واسعاً، وهو ما تبحث عنه إيران عبر أدبياتها الثورية، التي تهدف للتوسع الجغرافي، لذلك جاءت تركيا أردوغان، لتركب ذات الموجة التي ركبتها إيران من قبل.
من المؤكد أن القرار الأمريكي بحظر جماعة الإخوان المسلمين، سيحمل تغييراً في التوازنات القائمة، وسيحدث تشكيلاً جديداً للكيانات المرتبطة بالتنظيم الدولي، خاصة أن لدى التنظيم أذرع اقتصادية، لها تأثيرها في عدة دول أوروبية، على رأسها بريطانيا، ما سيخضع أيضاً هذه الدول لمراجعة قوانينها، بما لا يعرضها للعقوبات الأمريكية، ما سيؤدي إلى تضييق للأموال الإخوانية، وسيؤثر في تدفقاتها وقدرتها في التأثير.