كل يوم إيران تنزف خسائر هائلة، تفقد أكثر من نصف ما كانت تحصل عليه قبل عام، بسبب تطبيق العقوبات عليها. ولو استمرت بمثل هذا النزيف، فإن النظام مهدد بالسقوط، لهذا نحن فعلاً وسط حرب، دون أن نرى رصاصاً.

وكأي حرب موجعة، وفي نفس الوقت، الوضع الحالي يجعل من في إيران نمراً جريحاً، هو قلق وغاضب، ومستعد للدخول في أي معركة، على غير عادته، لأن وضعه صار خطيراً.

هذا ما يدفع كل الأطراف المواجهة لإيران للتحسب لما قد ترتكبه إيران، أو مليشياتها في المنطقة، كما فعلت الأسبوع الماضي، عندما نفذت هجومين على الإمارات والسعودية.

هذه المرة، المواجهة ليست حرباً دعائية، بل معركة بقاء حقيقية، بخلاف المرات الماضية التي كانت جزءاً من لعبة المساومات والضغوط والحصول على اتفاقات مناسبة. ردود فعل طهران، قد تكون أكثر شراسة، نتيجة نزيفها اليومي.

ولا ننسى أن على السلطة الإيرانية استحقاقات لا تستطيع المفاضلة بينها، كلها مهمة لبقائها، تمويل نشاطاتها الداخلية، ودفع رواتب موظفيها، ولا ننسى أنها تمول كل السلع الرئيسة بمبالغ طائلة، إضافة إلى مليارات الدولارات تدفعها سنوياً لمليشياتها التي تحارب في سوريا ولبنان واليمن وغيرها.

بسبب الحصار الخانق، لم يعد ممكناً أن تفي بدفع فواتيرها الأساسية، وفي نفس الوقت، تستمر المظاهرات في أنحاء البلاد، وترافق ظهورها منذ العام الماضي مع بدء العقوبات، احتجاجاً على الأوضاع المعيشية الصعبة.

إيران تعتقد أنها بتهديد ممرات الملاحة، وناقلات النفط، وقصف منشآت الضخ البترولية، ستتسبب في رفع أسعار النفط، وسينجم عنها أزمة اقتصادية ضد أمريكا والعالم، وتهدد موارد دول الخليج، هي الأخرى. بذلك تأمل أن تدفع واشنطن وحليفاتها إلى التراجع عن الحصار، أو التفاوض معها بشروط أفضل.

وفي تصوري، لا شيء من الاثنين سيتحقق، وسيضطر القادة في طهران إلى الاتصال بالرئيس الأمريكي وتقديم تنازلات أساسية. وهم يدركون اليوم أن احتمالات خوض دونالد ترامب انتخابات الرئاسة الأمريكية والانتصار فيها وارد جداً، وأن المراهنة على فشله مغامرة ستؤذي أكثر.

نتيجة لذلك الضغط، وخشية من انفجاره، تمخر السفن الحربية العملاقة البحار، متجهة نحو منطقة التوتر قبالة إيران ومليشياتها، لأنه من الصعب التكهن بما قد تفعله إيران في هذه الظروف غير العادية. خياراتها، أن تتسبب في حرب واسعة، ولو فعلت، سيعجل بانهيار النظام، أو أن تعض على أصابعها وتتحمل الخسائر، حتى يتم التوصل إلى اتفاق ما مستقبلاً.

لماذا لا تشن الحرب، وبالتالي، نختصر الوقت، ويتم إسقاط النظام الشرير في إيران؟ تبعات الحروب دائماً خطرة، ولا أحد يريد المزيد من الانهيارات والفوضى في المنطقة. فإن كان من الممكن إجبار النظام على تعديل سلوكه، فهو انتصار أقل أذى، وإن رفض سيستمر ينزف، وبالتالي، مآله للانهيار.

وهذا ما يدفع دول المنطقة، مثل السعودية، وكذلك الولايات المتحدة، إلى تكرار القول، لا نريد الحرب، لأنهم بالفعل يستطيعون تحقيق الأهداف النهائية بدون مواجهة عسكرية.