بعد انتخابات التاسع من أبريل، ها هي إسرائيل تتجه إلى انتخابات جديدة في السابع عشر من سبتمبر. إنه الموسم الانتخابي الأطول في تاريخ إسرائيل، فبعد أن تم حل الكنيست في شهر ديسمبر 2018، دخلت إسرائيل في أجواء الحملات الانتخابية التي لم تكد تخرج منها إلا لتدخلها مرة أخرى.

ليس هذا هو المهم، فإسرائيل لديها القدرة على إدارة شؤونها بكفاءة لا تتأثر بأزمات السياسة وتعقيدات تشكيل الحكومات الائتلافية، ولكن المهم هو أن إطالة أمد الموسم الانتخابي في إسرائيل تؤدي إلى تأخر إفصاح إدارة الرئيس ترامب عما تسميه صفقة القرن للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو الأمر الذي أشعر أطراف الصراع كافة بالارتياح.

لم ينزعج أحد بسبب تأخر الإعلان عن خطة السلام الأمريكية، بما في ذلك إسرائيل التي لم تكن قريبة من أي إدارة أمريكية بقدر قربها من إدارة الرئيس ترامب.

أمر هذه الصفقة المزعومة غريب فعلاً، لقد طلب العرب مراراً من الولايات المتحدة القيام بدور نشيط لرعاية المفاوضات بين العرب والإسرائيليين، ولكنهم مع إدارة الرئيس ترامب يفضلون لو أن الأمريكيين يرفعون أيديهم عن هذا الأمر. يتمتع الإسرائيليون بحظوة كبيرة لدى الإدارة الأمريكية الراهنة، ومع هذا، فإنهم لا يبدون متحمسين للصفقة الأمريكية، فعمن تعبر هذه الصفقة بالضبط؟

التحيز إلى إسرائيل هو من ثوابت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، لكن بالمقارنة بكل الإدارات الأمريكية السابقة، فإن إدارة الرئيس ترامب هي أكثر الإدارات الأمريكية انحيازاً إلى إسرائيل واستهانة بالفلسطينيين، ليس أدل على ذلك من اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ووقف المساهمات الأمريكية في ميزانية السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل.

من المفهوم، والحال كذلك، أن يرفض الفلسطينيون الخطة الأمريكية حتى قبل أن يعرفوا محتواها، فما رشح عنها وما سبقها فيه ما يكفي ويزيد، أما الحكومات العربية فليس لديها أوهام بشان صفقة القرن الأمريكية، لكنها تحاول تجنب الصدام مع الرئيس ترامب المعروف بردود أفعاله الحادة، فالمصالح العربية تلتقي مع السياسة الأمريكية في نقاط مهمة عديدة أخرى.

حتى إسرائيل تبدو غير مهتمة بإنجاح خطة السلام الأمريكية، فكل ما يهم إسرائيل هو الخروج بأكبر قدر من المكاسب أثناء ولاية الرئيس ترامب الاستثنائية.

البرود الإسرائيلي تجاه صفقة القرن يرجع إلى أن اليمين الحاكم في إسرائيل لا يؤمن بإمكانية تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل نهائي، أو على الأقل فإنه لا يرى أن أوان تسوية كهذه قد حان.

اليمين الإسرائيلي الذي يحكم إسرائيل بلا انقطاع منذ عقد من الزمان هو امتداد لما يسمى الصهيونية التصحيحية التي رفضت منذ البداية اقتسام الأرض الموعودة مع أي شعب آخر، والتي لا تجد سبباً يجعل الفلسطينيين مستعدين للقبول بالتنازل عن أرضهم أو قسم منها لإسرائيل.

الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وفقاً لهذا التيار، هو مباراة صفرية، يحصل فيها الفائز على كل شيء، فيما لا يحصل الخاسر على أي شيء.

الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين - في رأي الصهيونية التصحيحية - هو حالة ممتدة، وهو الحالة الطبيعية التي يجب التعايش معها، وليس محاولة إنهائها، ولكن إدارتها فقط، وبالتالي فإنه عندما تأتي إدارة الرئيس ترامب وتتحدث عن صفقة القرن والحل النهائي للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن اليمين الإسرائيلي الحاكم ينظر بسخرية مكتومة للهواة من رعاة البقر، الذين يعتقدون في أنفسهم القدرة على فعل كل شيء، ولا يهمه سوى توظيف هؤلاء لتحقيق أكبر قدر من المكاسب لإسرائيل، ومنع تحول خطة السلام الأمريكية إلى سبب للخلاف مع الأمريكيين.

مع هذا، فإن هناك في الولايات المتحدة من يريد إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل نهائي، وأقصد بذلك الصهاينة الإنجيليين الذين يعتقدون بأن اليهود يجب أن يتجمعوا في أرض إسرائيل تمهيداً لعودة المسيح، غير أن هذه المعتقدات أمر يخص الإنجيليين الأمريكيين، وليس لإسرائيل واليهود شأن بهذا، اللهم إلا الاستفادة من الدعم الذي يقدمه تيار الصهيونية الإنجيلية لإسرائيل.

لقد كسبنا شهوراً إضافية لن تعلن خلالها صفقة القرن، لكن إثارة الأمر من جديد بعد انتهاء موسم الانتخابات الإسرائيلية الطويل ليست بالأمر المستبعد، حتى لو تزامن ذلك مع دخول الولايات المتحدة في موسم الانتخابات الرئاسية. فعام الرئيس ترامب الانتخابي لن يبدأ إلا متأخراً في شهر يوليو من العام المقبل، عندما يختار الحزب الديمقراطي مرشحه لمنصب الرئيس.

والمرجح هو أن يكشف الرئيس الأمريكي عن صفقة القرن لو تأكد أن إعلانها يضمن له أصوات الإنجيليين الصهاينة، فعندها لن يتردد الرئيس ترامب في إعلان صفقته، وعندها سوف يكون على الكثير من الأطراف إعلان رأيها في الخطة الأمريكية بصراحة حاولت تجنبها طوال العامين الأخيرين.