هناك تاريخان غيّرا المشهد السياسي الجديد في السودان، اليوم الأول من يناير هذا العام، عندما اتفقت أربعة تكتلات سودانية على حراك مدني جديد، وسمت نفسها «إعلان الحرية والتغيير».

والآخر، يوم 11 أبريل، عندما خاطرت قيادات في الجيش وعزلت الرئيس المتسلط عمر البشير، بعد ثلاثة عقود من الحكم. التاريخان يجعلان الجانبين شركاء، ودونهما، ربما ما كان يمكن إنجاز التغيير التاريخي شعبياً وسلمياً، معاً.

حتى الحادي عشر من أبريل الماضي، كان الهدف واضحاً، وبالإجماع، إقصاء البشير، ثم أصبح الوضع بعد ذلك منقسماً ومعقداً.

وبالطبع، المخاض الانتقالي صعب، والأمر ليس مفاجئاً ولا غريباً على الثورات، ولهذا يرجو الجميع أن ترسو سفينة التغيير في السودان في بر الأمان، الذي يتطلب حكمة وبصيرة، وأمره يهم أولاً الشعب السوداني، ويؤثر تباعاً في استقرار المنطقة. ولا يحتاج تكرار القول عن المخاطر والخصوم، فالساحة هناك كانت تحكم من فريق واحد، هيمن بشكل كامل على كل مفاصل الدولة والمجتمع، واقتلاعه لن يمر بسهولة إلى بضع سنوات. فالاتفاق كان بين المنتصرين على التغيير، وبعد ذلك ليست للطريق خارطة واضحة، أو متفق عليها.

وفي أعقاب الصدام الأخير مع المعتصمين، أعلن المجلس الانتقالي، الاحتكام إلى الانتخابات بعد تسعة أشهر، حتى يقرر الشعب السوداني من يريده أن يحكم، والتراجع عما طرح سابقاً بإجراء الانتخابات بعد عامين أو ثلاثة. إنما القوى المدنية في الشارع ترفض حل الانتخابات، في المرحلة الحالية، وتفضل عليه تشكيل حكومة انتقالية، لهم فيها أغلبية المقاعد.

من وراء الدفة في الخرطوم؟ توجد قوتان، المجلس العسكري الانتقالي، الذي أصبح معروفاً في تراتبيته وقياداته، وفريق المعتصمين الذي يصعب التعرف إليه، على الأقل لنا كمتابعين من بعيد، ونعرفه كـ «إعلان الحرية والتغيير»، تجمع واسع يشمل معظم القوى السياسية المدنية في السودان، ويبدو متماسكاً حتى الآن. يتكون من كتل سياسية أربعة، بقيادة جماعية، لا نعرف بعد كيف يصنع القرار داخل المعسكر المختلط من قوى وطنية عريقة، وأخرى حديثة التأسيس. وفي داخله طيف واسع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.

المجموعة الأولى «تجمع المهنيين»، وتمثل نخباً مهنية، من أساتذة وأطباء ومحامين ومهندسين وغيرهم.

والثانية، هي «الإجماع الوطني»، وتتشكل من 17 حزباً معارضاً، رفضت التعاون مع نظام البشير منذ عشر سنوات.

والمجموعة الثالثة «نداء السودان»، ولدت نتاج اجتماع في العاصمة الإثيوبية عام 2014، وتضم قوى حزبية، مثل حزب الأمة، والحزب الشيوعي، وحركة الإجماع، وحركة تحرير السودان، حركة العدل والمساواة، والبعث، والناصريين وغيرهم. والمجموعة الرابعة هي «التجمع الاتحادي»، من ثمانية أحزاب اتحادية.

«إعلان الحرية والتغيير» تجمع كبير، قادرة القوى فيه من أحزاب وتيارات مجتمعة أو متنافسة، على الفوز في الانتخابات بأغلبية كبيرة، في حال أجريت مطلع العام المقبل. وبذلك يحسم الخلاف على من يحكم السودان.

والانتخابات هي الحل، لأنها ستجنب البلاد الانشقاقات التي بدأت، ويتوقع أن تزداد مع مرور الوقت، ومن الصعب المراهنة على تفاهم العسكري والمدني، ولا على توافق «الحرية والتغيير» داخله.

الحكومة المؤقتة قد لا تكون الحل المثالي، لأنها ستعني قيادة جماعية، أمر قلما ينجح في المراحل الانتقالية، خاصة مع تنوع الشركاء. ولا شك أن عند الطرفين، العسكري والمدني، هواجسه، كل قلق من الطرف الآخر، فالتجارب السودانية والإقليمية ليست مشجعة. «الحرية والتغيير» يخشى أن ينفرد المجلس العسكري الانتقالي بالحكم، ويكرر تجربة البشير، والانتقالي يخشى السير وراء «الحرية والتغيير»، فيقوده إلى فوضى تهدد استقرار البلاد.

والحل المثالي، إن وجد، قد يكون في أن يستلم المدني الحكومة، والعسكري يتعهد بحماية الدولة ومؤسساتها وتطبيق الدستور، وهذا يتطلب حسمه بانتخابات، ولن يتحقق بالتوافق الذي يصعب ضمان استمراره. وفي حال فشل التوافق المدني والعسكري، أو اختلفت مكونات «الحرية والتحرير» بينها، فإن البلاد ستكون مهددة.

* كاتب سعودي