تتزامن قمة العشرين التي ستعقد في أوساكا اليابانية مع مرور 40 عاماً على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين عام 1979 في عهد الرئيس جيمي كارتر الذي نجح بامتياز في احتواء الصين، وبهذه المناسبة أرسل كارتر رسالة للرئيس دونالد ترامب يطلعه فيها على تجربته في التعامل مع الصين، فهل يأخذ الرئيس ترامب بنصائح كارتر عندما يلتقي الرئيس الصينى شين جين بينج في اليابان؟ وهل مقاربات القرن الماضي مع التنين الصيني تصلح لعالم متعدد القطبية في الوقت الراهن؟
من المؤكد أن استراتيجية الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر في التعامل مع الصين قامت على محورين رئيسيين، الأول يعتمد على تشجيع الصين للانفتاح على العالم الخارجي مقابل دعم الاقتصاد الصيني الذي بدأ ينمو وقتها بنسبة 10% سنوياً، وهي معجزة اقتصادية بكل المقاييس، أما المحور الثاني الذي اعتمد علية كارتر هو تشجيع الصين على احترام حقوق الإنسان «بالتدريج» وليس بخلق المشكلات العلنية، ويفخر الرئيس كارتر بأنه نجح في هذا الملف مع الصينيين مع خلال «القنوات الدبلوماسية الخلفية» غير المعلنة.
البنية التحتية
ورغم اتفاق الكثيرين في واشنطن على أن نصائح كارتر للرئيس ترامب لا تتفق مع تهديدات العصر إلا أن هناك من يدعم على الأقل الأخذ ببعض نظريات الرئيس كارتر في التعامل مع الصين، فكارتر طالب ترامب بالتركيز على البنية التحتية وليس الحروب، وأن واشنطن يمكنها التعاون مع الصين في أفريقيا وليس التنافس معها في القارة التي تمتلك مواد أولية جبارة، لكن هناك من يقول إن الصين عام 1979 غير الصين في عام 2019، وأن هناك تهديدات صينية للأمن القومي الأمريكي ولحلفاء واشنطن في آسيا، ولهذا وضعت إدارة الرئيس باراك أوباما سياسة «الاستدارة شرقاً» عام 2012، وأعلن الرئيس ترامب العام الماضي أن روسيا والصين هما المنافستان لواشنطن على الساحة الدولية، فما هي أبعاد الرؤية الأمريكية التي يمكن أن يطرحها ترامب على نظيرة الصيني في قمة العشرين؟
استراتيجية
تقوم استراتيجية الولايات المتحدة للتعامل مع الصين على إضعاف الاقتصاد الصيني، ونجحت هذه الاستراتيجية في تراجع معدلات النمو في السنوات الأخيرة لتصل إلى 6.9% عام 2018، وهو أقل معدل للنمو الصيني منذ عام 1990، ونجحت الولايات المتحدة في خلق مشكلات سياسية بين الصين و7 دول من جيرانها حول الحقوق السيادية في بحر الصين الجنوبي، وما يسمى بقضية «الجزر الصناعية»، ونتيجة لـ«عسكرة» بحر الصين الجنوبي الذي تمر من خلاله ثلثي التجارة العالمية ارتفعت تكاليف التأمين والشحن على البضائع الصينية، وهو ما يساهم في تنافسية البضائع الأمريكية من ناحية، وأدى لتراجع نمو الاقتصاد الصيني من ناحية أخرى، ويعتقد الرئيس ترامب أن بلاده هي المستفيد من أي حرب تجارية مع الصين لأن الصادرات الصينية لأمريكا 650 مليار دولار سنوياً، بينما الصادرات الأمريكية لا تتجاوز 150 مليار، مما يعنى أن هناك عجزاً في الميزان التجاري لصالح الصين بـ400 مليار دولار.
وفي حال استمرار فرض إجراءات جمركية بين البلدين فإن الصين هي من تتكبد خسائر أكبر من المنظور الحسابي فقط، وتغفل إدارة الرئيس ترامب أن للحرب التجارية مخاطر على النمو العالمي، وربما تؤدي إلى تباطؤ أو حتى ركود اقتصادي سيتحمل أعباءه كل الدول بما فيها الدول الغنية نفسها، لكن الأبعاد العسكرية والسياسية في استراتيجية ترامب مع الصين ربما تكون هي الأخطر.
فالرئيس ترامب انسحب من اتفاقية حظر نشر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، وربما لن يجدد اتفاقية «ستارت 3» حتى يجبر الصين للانضمام إلى هذه الاتفاقيات التي كانت في شكلها القديم «ثنائية الطابع» بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، وأكثر ما يخشاه البعض هو حديث الولايات المتحدة والصين لأول مرة الشهر الحالي عن إمكانية حدوث نزاع عسكري بين بكين وواشنطن خاصة في آسيا بعد دعم الولايات المتحدة لتايوان وهونج كونج بالسلاح، وهما ضمن دولة «الصين واحدة» في نظر بكين.
نعم نجحت استراتيجية الولايات المتحدة في إضعاف النمو الاقتصادي الصيني، لكن الكثيرين في واشنطن يطالبون الرئيس ترامب بالاستفادة من رؤية الرئيس كارتر في التعامل مع الصين، وبدلاً من المواجهة المباشرة مع بكين يمكن خلق صراع آسيوي بين الصين والهند، والاقتراب من روسيا حتى لا تتحول لـ «رديف للصين».