في الأزمة السودانية الخطيرة، حتى أكثر المتفائلين لم يتنبأ بأن يتوصل المتفاوضون إلى حل كامل وهم الذين اختلفوا على كل شيء تقريباً في البداية. توصل العسكر والمدنيون إلى اتفاق على مرحلة انتقالية يحكمها مجلس لمدة 3 سنوات و3 أشهر. اتفقوا على الحكم مناصفة، 5 عسكريين و5 مدنيين، وعضو مدني مرجح يتوافق عليه الطرفان.

وسيرأس المجلس في البداية أحد القيادات العسكرية لمدة 21 شهراً، يحل مكانه لاحقاً أحد المدنيين لمدة 18 شهراً. في نفس الوقت سيتم تشكيل حكومة مدنية غير حزبية، سميت حكومة كفاءات وطنية مستقلة برئاسة رئيس وزراء.

هذه لن تكون نهاية أزمة الثلاثة أشهر، التي تلت عزل الرئيس السابق عمر البشير في الحادي عشر من أبريل الماضي، بل عسى أن تنهي الظلام الذي خيم على السودان لثلاثين عاماً، منذ استيلاء المشير عمر البشير على الحكم بالتآمر مع حسن الترابي زعيم الجبهة القومية الإسلامية، فرع من الإخوان المسلمين.

الأشهر المقبلة صعبة، ستمتحن قدرة أعضاء مجلس الحكم على الصبر على بعضهم، حينما تبرز التحديات المختلفة، وتحاول أطراف على الهامش جر الجميع في اتجاهات متضادة. رغم هذه المحاذير الأمل كبير للتفرغ لإعادة ترتيب أوضاع البلاد، وإنهاء حالة الاحتراب التي طالت معظم الأقاليم.

هل يجد السودانيون الفرصة لإعادة بناء الاقتصاد وتطوير التعليم وتأهيل الموارد التي فشلت في عهد البشير نتيجة الحروب والفساد؟

بانفصال واستقلال الجنوب، قبل ثماني سنوات، فقد السودان أهم موارده، النفط. مع هذا هناك الكثير، فالمناطق المشتركة ذات احتياطات كبيرة، من النفط والغاز، يضاف إليها ثرواته الطبيعية من الزراعة والأسماك والمعادن. ولو عاد للسودان حياته العادية وبدأت عجلة التنمية تدور، فإن في البلاد إمكانيات غنية تنهي حالة الفقر والهروب الجماعي الذي يقدر بملايين السودانيين الذين غادروا البلاد في العقود الماضية.

في السودان 121 مطاراً منها 7 مطارات دولية تجعله في مقدمة دول المنطقة، لكن معظمها صارت معطلة مثل حال بقية قطاعات الخدمات.

كلها تحتاج إلى التوافق السياسي بين الأطراف المختلفة، وهو ما تم التوقيع عليه وكان منبع حالة الفرح الكبيرة في السودان ومحيطه عموماً. فالمنطقة لا تحتمل المزيد من الجروح والمعارك.

التجربة السودانية قد تكون الدرس المطلوب للعالم العربي والقارة الأفريقية، دون أن ننسى الثناء على الدور الإيجابي للوسطاء الذين عملوا على تجسير العلاقة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير هم إثيوبيا والاتحاد الأفريقي.