منذ شرعت إيران في تهديد حرية الملاحة بالقرب من مضيق هرمز، والتحركات جارية لحماية السفن المبحرة في المضيق من ناحية، ولردع إيران عن ارتكاب المزيد من الاعتداءات من ناحية أخرى.

يمر من مضيق هرمز عدد كبير من السفن، من بينها الناقلات التي تحمل حوالي 21 مليون برميل من النفط يومياً، وناقلات الغاز التي تحمل ربع الغاز المتداول في الأسواق الدولية، بالإضافة إلى الأصناف الأخرى من السلع والمنتجات الذاهبة إلى دول تعتمد كلياً على الخليج ومضيق هرمز، طريقاً لتجارتها الدولية.

توفير الحماية لكل هذه الشحنات العابرة من مضيق هرمز، ليس بالأمر الهين، ولهذا، لا بد من سياسة ردع صارمة.

الردع هو الكلمة المفتاحية، والمفهوم الرئيس في كل هذا، وهو إقناع العدو بأنه سيلقى عقاباً قاسياً، وسيدفع تكلفة باهظة، لو قام بشن العدوان، وأن العقاب الذي سيلقاه بسبب العدوان، سيكون أكبر مما يستطيع تحمله، ويزيد كثيراً على أي مكاسب قد يحققها من وراء العدوان.

وصول الرسالة بهذا الوضوح يحقق الردع، فيقوم العدو بالسيطرة على نوازعه العدوانية، ويتم تجنب التصعيد.

الردع، إذن، هو رسالة يرسلها أحد الأطراف الدولية، ويتلقاها، ويعمل وفقاً لها طرف دولي آخر، والمطلوب هو أن تكون صياغة الرسالة واضحة غير ملتبسة، وأن تكون معززة بالبرهان على صحة ما ورد فيها، وأن يفهم العدو من الرسالة نفس المعاني التي أراد المرسل توصيلها، وألا يكون هناك أسباب تجعل العدو يظن أن الرسالة لا تزيد على كونها مجرد تهديد.

لكي يتحقق الردع، فلا بد من توافر عدد من السمات. القدرة هي العامل الحاسم لإنجاح الردع. الردع هو القدرة على توجيه ضربة ثانية موجعة، إلى درجة لا يستطيع العدو احتمالها، عقاباً له على عدوان تم تحذيره.

امتلاك ما يلزم من القوة لتوجيه الضربة العقابية للعدو، هو الشرط اللازم لإقناع العدو بالقدرة على الثأر، وهو الشرط الأول لنجاح الردع.

غير أن توافر الموارد والإمكانات اللازمة للرد على العدوان، ليست العامل الوحيد الذي يساعد على نجاح الردع، فهناك أيضاً توافر العزم على استخدام القوة المسلحة، تنفيذاً للردع.

المقصود هنا، هو العوامل غير المادية، والتي تشمل وجود قيادة سياسية لا تتردد في استخدام القوة المسلحة لو فشل الردع، وظهرت الحاجة لمعاقبة المعتدي، وتشمل أيضاً جاهزية المؤسسات السياسية لتنفيذ التهديد المتضمن في الردع.

فقد يكون للقيادة السياسية رأيها في ضرورة تجنب الحرب بأي ثمن، وأن الحرب هي الأسوأ من بين كل الاختيارات، مهما كان الثمن الذي يتم دفعه لتجنبها. كان هذا هو رأي رئيس الوزراء البريطاني، نيفيل تشامبرلين، الذي قاد بلاده في السنوات السابقة على الحرب العالمية الثانية.

حاول تشامبرلين تجنب الحرب، ووقع معاهدة ميونيخ مع ألمانيا النازية، وبمقتضاها، حصلت ألمانيا على الحق في ضم إقليم السوديت ذي الأغلبية الألمانية، التابع لتشيكوسلوفاكيا، وظن تشامبرلين أن ذلك سيكون كافياً لإرضاء هتلر، وتجنب الحرب.

تعهد تشامبرلين بدخول الحرب ضد ألمانيا إذا اعتدت الأخيرة على بولندا، لكن الردع البريطاني لم تكن له مصداقية كافية، وقام هتلر، بالاشتراك مع الاتحاد السوفييتي، باحتلال بولندا واقتسامها، ووجد تشامبرلين نفسه مضطراً للدخول إلى الحرب التي حاول تجنبها بكل السبل.

جهود تشامبرلين لتجنب الحرب، جعلته يبدو ضعيفاً ومرتعشاً في وجه الطاغية هتلر، الذي لم يكن يحترم أصحاب النوايا الحسنة، حتى لو كانوا صادقين، الأمر الذي شجع هتلر على العدوان، في تجاهل تام للردع والتهديد البريطاني، الذي بدا له أجوف.

في بعض المرات قد تتوافر الموارد اللازمة لتنفيذ ردع ناجح، لكن قد يكون الجهاز السياسي المخول باتخاذ قرار الحرب ضعيفاً ومفككاً، بطريقة لا تجعله قادراً على تنفيذ تهديداته، أو قد يكون مشغولاً بإرضاء مصالح وجماعات ضغط داخلية، ترفض استخدام القوة المسلحة.

كان هذا هو الموقف الذي وجدت الولايات المتحدة نفسها فيه، عندما هاجمت اليابان قاعدة الأسطول الأمريكي في بيرل هاربور.

فقد كان التيار السائد بين الأمريكيين، يرفض الدخول إلى الحرب الجارية في المحيط الهادي، وكانت المعارضة تنتقد الدور الأمريكي النشط في تقديم الدعم لخصوم اليابان في هذه الحرب، وفي حرمان اليابان من النفط، بسبب ما قد يؤدي إليه ذلك من جر الولايات المتحدة للحرب، الأمر الذي جعل ساحة السياسة الأمريكية منقسمة على نفسها بطريقة أضعفت مصداقية الردع الأمريكي. لقد أغرى رفض الكثير من الأمريكيين للتورط في الحرب، اليابان على العدوان، وأضعف مصداقية الردع الأمريكي.

لقد وحد الهجوم الياباني على بيرل هاربور، الأمريكيين خلف قرار الدخول إلى حرب كان من الممكن تجنبها، لو كان قد تم إظهار هذه الوحدة قبل ذلك بوقت كافٍ.

نجاح الردع مرهون بمصداقيته، ففي غياب المصداقية، لا يمكن للردع أن يعمل بنجاح. الرسائل المتعارضة تضعف الردع، ولا تجعل العدو متأكداً من أن قيامه بالعدوان سيحمّله تكلفة قاسية، أم أنه يستطيع أن يرتكب العدوان وهو آمن من العقاب.