قلة انتقدت، أو حتى كلفت نفسها عناء التعليق على إعلان استضافة القوات الأمريكية في المملكة العربية السعودية. والقلة الناقدة كانت أصوات في قطر، الدولة التي تسوق لأي خطاب يعادي جارتها الكبرى السعودية، وتسوق لمواقف متناقضة، على أمل إثارة العواطف ضدها.
لكن لا صدى للحملة القطرية المعادية، لماذا لم تصبح قضية رأي عام؟ هل لأن الناس ملت من هذه الاعتراضات المكررة، أم أن المنطقة تغيرت كثيراً؟.
أعتقد أن الكثير تبدل، الجيل الجديد الذي بلغ عمراً يستطيع أن يعي سياسياً، نراه يتبنى مواقف أكثر واقعية، واقل أيديولوجية.
في عام 1990، عندما جاء نحو مئة ألف من القوات الأمريكية ضمن الاستعدادات لتحرير الكويت، لم يشاهد أحد هذه القوات الهائلة في المدن. تمت ترتيبات وجودهم، حتى أن يكونوا خارج المشهد اليومي في حياة الناس، فلا يشعرون بوجود قوات أمريكية.
وحتى بعد الحرب وبقاء بضعة آلاف في قاعدة الأمير سلطان في الخرج، في منطقة الرياض، أيضاً أقاموا هناك 12 عاماً، وقلما يلحظ أحد وجودهم. وقد سعت الدعاية البعثية والإخوانية تحاول تخويف السعوديين بأن الأمريكيين جاؤوا ليحتلوا بلدهم ولن يغادروها. كذبت الأحداث تلك الأكاذيب الشائعة جداً، وأصبحت صورة الأمريكي هو الحليف.
العدد المتوقع للقوات لن يبلغ ألف جندي فقط، رسالة رمزية إلى إيران بالتزام واشنطن بعلاقتها الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية. وتبين في الوقت ذاته أن العدد صغير، لأنه لا توجد نية لشن حرب على إيران، فإجمالي القوات الأمريكية في دول المنطقة المحيطة نحو عشرة آلاف جندي فقط.
لكن للولايات المتحدة ذراع طويلة، لها قواعد دائمة بقوة ضاربة، قادرة على شن حرب على بعد آلاف الكيلومترات، لو بدأت إيران القتال ضد الجانب الأمريكي. وهو أمر مستبعد، حيث تعرف طهران مخاطر إشعال حرب كهذه، وستشارك فيها ضدها دول الخليج وإسرائيل.
أيضاً، حتى لا تسيء إيران فهم ما تسمعه من جدال داخل الولايات المتحدة ضد ترامب وعلاقته بالرياض، بعثت الحكومة الأمريكية بقوة عسكرية تعبر عن جدية التزامها، فلا يخطئ الإيرانيون في فهم متانة العلاقة والتزاماتها.
أما المواطنون السعوديون، فلم تعد لديهم حساسية تذكر من مثل هذه العلاقات العسكرية، رغم ما يبذله المتشددون دينياً وقومياً من محاولات لتأليب الناس عبر الوسائل المعادية.
ليست كلها من وراء حسن صورة واشنطن، بل أيضاً نتيجة سوء صورة طهران وسمعتها، التي أصبحت من السوء، حيث صار هناك رأي عام عربي واسع كاره لها. وهذا لا ينفي وجود فئات تتعاطف مع إيران، لكنها تبقى صغيرة.
العامل الرئيس هو حرب سوريا، وما ارتكبته قوات إيران ومليشياتها من فظائع وقتل تجاوز النصف مليون إنسان، في دعمها لنظام دمشق، ما قلب الرأي العام ضدها. كما أن تآمرها في العراق واليمن، صار جزءاً من الوجبة الإخبارية اليومية على مائدة الناس في المنطقة.
كل ذلك دمر صورتها التي كانت تتمتع بها، في الثمانينيات والتسعينيات، عندما كانت تقدم نفسها لملايين العرب، أنها من يقف معهم في وجه إسرائيل، وأنها تلتقي مع شعوب المنطقة في عدائهم للأجنبي. كله انهار بشكل مذهل، وأصبحت هي الدولة العدو.