الأحداث الساخنة التي تجري في مياه الخليج هذه الأيام، تبرز، وبشدة، أن هناك توافقاً دولياً، وخصوصاً بين الولايات المتحدة وبريطانيا، على التعاون لوقف التهديدات الإيرانية، ومحاولات عرقلة الملاحة في مياه الخليج.
وكما تظهر الأحداث أن هناك تقارباً في وجهات النظر بين الولايات المتحدة وبريطانيا، على الكيفية التي يمكن بها مواجهة إيران في الخليج. هذا التقارب لا ينفي أن يكون هناك أيضاً اختلاف في وجهات النظر في طرائق وشدة هذه المواجهة.
فمما لا شك فيه، أن التوترات المتكررة في منطقة الخليج، قد خلقت تقارباً، وأيضاً خلافاً، بين الدولتين -أمريكا وبريطانيا- في وجهات النظر، ليس من السهل حله. ولكن هذا الاهتمام يظهر بشدة حرص الدولتين على ترسيخ علاقاتهما بالمنطقة، حيث تكمن الكثير من المصالح الاقتصادية والجيوسياسية لكليهما.
ويمكن اعتبار منطقة الخليج ساحة للتنافس الأمريكي -البريطاني على مر الزمن. فمنذ السبعينيات، ظهر جلياً أن كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا تنظران لبعضهما البعض على أنه منافس لها في منطقة الخليج، وليس شريكاً يمكن التحالف معه.
وعلى الرغم من ذلك، فعند اشتداد الأزمات، لا يجد كلاهما أحداً يثق به سوى الآخر. ويمكن اعتبار غزو الكويت والتحالف الأمريكي-البريطاني لطرد قوات صدام من الكويت، أمراً يؤكد هذا القول، ولكنه أيضاً مثال وليس قاعدة. فكلاً من بريطانيا وأمريكا تنظر إلى منطقة الخليج على أنها استثمار آني ومستقبلي، لا يمكن التفريط فيه.
وترتبط بريطانيا مع أمريكا بعلاقة خاصة، ولكن تلك العلاقة خضعت عبر الأيام لاختبارات عدة في العديد من الملفات الإقليمية، بما فيها الملف الإيراني، حيث دافعت بريطانيا عن الاتفاق النووي الإيراني وبقائه. ومنذ الحرب العالمية الثانية، تبلورت العلاقات بين الدولتين، ولطالما تعاونت واشنطن ولندن لتحقيق مصالحهما في القضايا الرئيسة.
واعتبرت العلاقات بين الولايات المتحدة وبريطانيا علاقات مميزة، حتى إن الرئيس ترامب وصفها مؤخراً، بقوله إن البلدين استطاعا أن يقيما أكبر تحالف عرفه العالم على الإطلاق. ولكن متانة العلاقات تعرضت لعدة اختبارات صعبة، بينت مدة صمود ذلك التحالف الظاهري بين البلدين.
فلا يكمن فقط الاختلاف بين البلدين على قضايا الخليج ومصالح البلدين هناك، بل إن المستقبل سوف يحمل المزيد من التحدي للعلاقات الأمريكية-البريطانية في العديد من الملفات الأخرى. فالخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي خلال الشهور القادمة، سوف يزيد من تدهور العلاقات بين البلدين.
ففي رأي بعض المحللين، فإن خروج بريطانيا سوف يقلل من أهميتها العالمية، ومن ثمة أهمية بريطانيا كشريك تجاري واستراتيجي لأمريكا. ولكن البعض الآخر يرى أن عمق العلاقات بين البلدين، واختلاف وجهات النظر بين السياستين الأمريكية والبريطانية حالياً، مرتبط بوجود شخصيات سياسية، ولا يؤثر في عمق العلاقات بين البلدين.
فالانهيار التام المتوقع في العلاقات غير وارد لعدة أسباب، منها أسباب اقتصادية وثقافية واستثمارية. فالبلدان كلاهما يعد أكبر مستثمر في اقتصاد الآخر، كما تتشارك الدولتان في القيم الحضارية، وترتبط الدولتان بروابط استخباراتية مهمة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما مستقبل أمن الخليج في ظل تلك التحديات التي تواجه العلاقات الأمريكية -البريطانية المترجرجة؟.
إن منطقة الخليج وهي تواجه اليوم تحديات جيوسياسية غير مسبوقة، تنظر إلى حلفائها الدوليين -وخاصة الكبار- بعين الثقة. فمنطقة الخليج العربي، يهمها أن يكون هناك تنسيق بين حلفائها تجاه الملفات التي تواجه الجوار الإقليمي، كالعراق وسوريا واليمن، وتجاه التدخل الإيراني في هذه الملفات، وتأثير ذلك في أمن منطقة الخليج.
فالسياسات الأمريكية -البريطانية تجاه هذه الملفات، والتنسيق الأمني بينها وبين دول الخليج، هو قضية مهمة لأمن المنطقة، وللمصالح البريطانية -الأمريكية أيضاً. فهذا التنسيق هو الذي يؤكد صمود العلاقات الأمريكية-البريطانية، رغم التوترات السياسية، والتنافس الاقتصادي بين البلدين.