بعد مرور نصف قرن على رحلة أبولو إلى القمر، أصبح استكشاف الفضاء السحيق من قبل البشر أمراً لا مفر منه، وتضخمت الموازنات المحققة لأبحاث الفضاء خاصة في الدول الصناعية المتقدمة، ومع ذلك فلا يزال السفر إلى الفضاء خطيراً يمكن أن يتسبب في خسائر كارثية مثلما حدث لطاقمين من رواد الفضاء.

وكما يقول علماء الفضاء فإنه على امتداد نصف القرن الماضي أعطانا الذهاب إلى الفضاء تقديراً أكبر لارتباطنا بالأرض، التي ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنها أفضل بيئة ــ بنية ومكاناً ـ للإنسان، لا يفضلها أي مكان آخر في أي من كواكب الكون السحيق.

وفي الفضاء يصبح جسم الإنسان حُراً بلا جاذبية عندما يتم قذفه في الفضاء بعيداً عن بيئته المألوفة على الأرض، وربما كان أهم شيء تعلمناه من عصر الفضاء، أننا أبناء الأرض التي تُشكل أفضل مكان للبشر، وعندما دخل رائد الفضاء سكوت كيلي في مدار الفضاء عام 2015 للقيام بمهمته في الفضاء التي استغرقت عاماً كان نظام المناعة لديه يتصرف كما لو أنه يتعرض لهجوم فيروسي شديد.

وكان الواضح أن جسده الذي اعتاد على الجاذبية الأرضية يشكو افتقادها وكأنما جسده يصرخ أين الجاذبية، وقد اتجهت السوائل في جسمه إلى أماكن خاطئة، كما كان واضحاً أنه يعاني ظهور أعراض جديدة مثل الأرق وعدم وضوح الرؤية، وعلى الرغم من أن شفرته الوراثية لم يطرأ عليها أي تغيير.

فإن تغييره الجيني تعرض لتغيرات واضحة مع توقف بعض جيناته عن العمل، ومع أن رواد الفضاء يتكيفون في الأغلب مع انعدام جاذبية الأرض ويؤدون مهامهم في مركبات الفضاء بشكل جيد، لكنهم يواجهون بعد عودتهم إلى الأرض أعراضاً لم يكونوا يعانونها.

حيث عانى رائد الفضاء سكوت كيلي طفحاً مؤلماً وتورماً في الساقين، كما عانى الغثيان، صحيح أن تغييره الجيني عاد بعد فترة إلى حالته الطبيعية لكن ليس بالكامل، ويقول كيلي إنه لمدة ثمانية أشهر ظلت صحته معتلة.

ويقول عالم الفضاء كريستوفر ماسون إن السفر إلى الفضاء له آثار وحشية على جسم الإنسان، لأننا كبشر مصممون بشكل رائع على بيئة الأرض وخارج هذه البيئة تزداد هشاشتها، ربما لارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون الذي يتسبب في شعورنا بالضيق، وتصل نسبة ثاني أكسيد الكربون على المحطة الفضائية إلى أضعاف نسبتها على الأرض.

فهي أعلى بعشر مرات، فضلاً عن أن المجال المغناطيسي للأرض يحمي المحطة الفضائية ويحمي رواد الفضاء من الكثير من الإشعاعات الكونية التي تظهر في شكل جسيمات أولية تنتقل بسرعة الضوء يمكن أن تسبب السرطان وأضراراً جينية أخرى.

لكن رائد الفضاء الذي يسافر إلى المريخ لن يتمتع بهذه الحماية خاصة أن الرحلة إلى المريخ تستغرق 6 أشهر على الأقل وربما أطول، وسوف تستغرق الإشارة اللاسلكية بين المركبة الفضائية والأرض دقائق للتنقل عبر هذه المسافات الشاسعة في الفضاء.

ويقول أندرو فاينبرج من جامعة هوبكنز إن الكائن البشري كائن مركب يشمل تريليونات من الميكروبات معظمها يقيم في أمعاء الإنسان، وهذه الميكروبات تنبثق من الأرض ولها روابط حميمية معها، لكن المشكلة في المريخ أنه ليس فيه ماء أو هواء أو جاذبية.

كما يخلو من الإشعاع الذي اعتادت عليه أجسامنا وليس في المريخ أيضاً النوع المناسب من البكتيريا التي اعتدنا عليها، ولكن من المؤكد أن الروبوتات (الإنسان الآلي) تعمل بشكل جيد في الفضاء ولا تواجه مثل هذه المشكلات التي تواجهها الآن.

وخلاصة الكلام أننا كبشر مصممون وفق مقاييس ومعايير كوكبنا الأرضي، والأرض هي المكان الأفضل للإنسان، وفي الأغلب فإن رحلات الفضاء المقبلة سوف تقوم في الأغلب على الروبوتات لتفادي آثار الفضاء على حياة البشر.

* كاتب صحافي