ما نفهمه من حديث الرئيس السيسي في أثناء افتتاحه مشروعات الصوب الزراعية بقاعدة محمد نجيب في منطقة الحمام بالساحل الشمالي، أن ما تحتاجه مصر بصورة مُلحة ليس فقط زيادة الإنتاج ليتوازن حجم المعروض من السلع مع زيادة الطلب عليها، ولكن مصر تحتاج أيضاً إلى ضبط أسواقها بما يخدم توازن المصالح بين كل أطراف السوق، المنتج الذي يستحق ربحاً معتدلاً يضمن له الاستمرار في العملية الإنتاجية كما يزيد من حجم إنتاجه، والمستهلك الذي يستحق سعراً عادلاً كي لا يحجم عن الشراء، والتاجر الذي ينبغي أن يدرك أن مصلحته تتحقق إن توازنت مصالح المنتج والمستهلك، لأن توازن مصالح الطرفين يسهم في زيادة الرواج وتنشيط حركة البيع.
ولأن السوق المصرية كبيرة وواسعة قوامها مائة مليون مستهلك يتداولون على مدى الساعة المئات من السلع، يصبح من مصلحة الجميع أن تنتظم السوق المصرية وفق آلية السوق الحقيقية، العرض والطلب دون تدخل غير مشروع من أي من الأطراف، خاصة التجار لإفساد آلية العرض والطلب، كأن يحتجز السلعة في المخازن كي يشح المعروض وترتفع الأسعار. وأظن أن دور الدولة في رقابة الأسواق قد اختلف على نحو جذري، ولم يعُد يكفي لانضباط السوق، أن يمر مفتش التموين في السوق ليحرر المخالفات، لأن الرقابة الصحيحة على الأسواق تبدأ من ضمان انتظام آلية العرض والطلب وفق معطياتها الصحيحة.
وعندما يكون سبب المشكلة أن الإنتاج في الأصل لا يتكافأ مع الطلب فقد يكون من واجبات الدولة أن تدخل كطرف في العملية الإنتاجية كي يزيد حجم المعروض وتنتظم السوق وفق آلياتها الصحيحة، لكن الدولة لا تستطيع وحدها مهما تملك من أدوات الرقابة وأجهزتها أن تنهض بمهمة توازن الأسعار، ما لم يشاركها القطاع الخاص الذي ينهض الآن بالدور الأكبر في عملية إنتاج السلع. وخلاصة القول إن انتظام السوق يتحقق بتعاون كل الأطراف، وإدراكها لضرورة إحداث التوازن بين مصالح الجميع.
ويأتي مشروع الصوب الزراعية (البيوت الزراعية المحمية) في قاعدة محمد نجيب الذي افتتح الرئيس السيسي مرحلته الثانية قبل يومين في إطار المشروع القومي لإنشاء مائة ألف فدان من الصوب الزراعية، يعادل إنتاجها إنتاج مليون فدان من الزراعات التقليدية بتكلفة أقل مع ترشيد استخدام المياه وخفض استهلاكها بنسب تتراوح ما بين 15 و20 في المائة، أخذاً في الاعتبار الحجم المحدود من الأرض التي يستهلكها المشروع، والمشروع يكفي 20 في المائة من الشعب المصري أي 20 مليون نسمة، بما يؤكد أنه جزء من الحل وليس كل الحل الذي ينبغي أن ينهض به القطاع الخاص متضافراً مع المجتمع المدني.
نعم سوف يحقق المشروع المجتمعات الزراعية المتكاملة، ويُسهم في تحقيق الأمن الغذائي، ويساعد على تدريب جيل جديد من الشباب على تكنولوجيات الزراعة الحديثة، ويعظم الاستفادة من وحدتي الأرض والمياه، ويحقق مفهوم الجودة الفائقة للمنتجات الزراعية الطازجة، لكن السؤال الحقيقي، ما الذي يمكن أن نتوقعه بعد خمس أو عشر سنوات، يزيد خلالها عدد السكان في مصر بنسب عالية تأكل ثمار التنمية أولاً بأول، هل نعود إلى ما كنا عليه، أم نزداد فقراً رغم كل ما تم إنجازه؟!
هذا هو السؤال الذي ينبغي أن يكون مطروحاً على كل إنسان مصري، وهو سؤال لا يملك الرئيس السيسي وحده إجابته الصحيحة، وإنما يملكه جميع المصريين.
* كاتب ومحلل سياسي