تقوم الحسابات الإيرانية في الوقت الحاضر على نتائج يتأكد كل من يقف أمامها أنها خاطئة، فالفرضيات الإيرانية تبدأ وتنتهي بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يخوض أية مواجهة عسكرية مع إيران أو حتى ميليشياتها في المنطقة، لأنه رجل أعمال ويخشى تراجع الاقتصاد الأمريكي الذي يتحسن كل يوم، كما يفترض الإيرانيون أن الرئيس الأمريكي لا يمكن أن يبدأ حرباً في عام الانتخابات التي ستجرى في نوفمبر 2020، فهل هذه الفرضيات الإيرانية صحيحة ؟
خيارات غير عسكرية
من يراجع التطور في الموقف الأمريكي خلال عهد ترامب يتأكد أن الولايات المتحدة قامت بخطوات لا يمكن التقليل منها من أجل إضعاف إيران وميليشياتها في المنطقة، فترامب هو من انسحب من الاتفاق النووي الإيراني الذي وقعه سلفه باراك أوباما في يوليو 2015، وفرض الحزمة الأشد من العقوبات على إيران في 4 نوفمبر الماضي، وصنفت واشنطن الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية في أبريل الماضي، ووضعت خطة تصفير صادرات النفط الإيرانية كان من نتيجة ذلك أن تراجع الدعم المالي الإيراني لحزب الله من 800 مليون دولار عام 2016 إلى 100 مليون دولار فقط في النصف الأول من العام الجاري وفق بيانات الخزانة الأمريكية التي فرضت عقوبات على شركات وشخصيات مرتبطة بحزب الله والحرس الثوري الإيراني في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وتراجعت صادرات النفط الإيرانية من 2.5 مليون برميل عام 2017 إلى أقل من 370 ألف برميل يومياً في الوقت الحالي يتم بيعها بأقل من السعر العالمي لسوريا والصين، وهو ما يعني أن الرؤية الأمريكية تحقق نتائج عملية على الأرض، وكلما تأخرت إيران في الاستجابة للمطالب الأمريكية تأثر الاقتصاد الإيراني وزادت الضغوط على طهران.
ما يؤكد أن الأوهام الإيرانية بأن أمريكا لن تحارب إيران أو ميليشياتها غير صحيحة، فهناك إحصائية في شهر مايو الماضي، قالت إنه تم استهداف 240 هدفاً إيرانياً في سوريا، وهذا يؤكد أن الولايات المتحدة يمكن أن تحارب بطائرات غير طائراتها، وقد توسعت الضربات ضد أذرع إيران من لبنان وسوريا إلى العراق بضربات موجعة لميليشيا الحشد الشعبي، وفشلت كل خطط طهران لتوطين المصانع التي تصنع الصواريخ دقيقة التوجيه من إيران إلى الضاحية الجنوبية في لبنان، كما أن الهدف الأول للقواعد الأمريكية في العراق وسوريا هو مراقبة النشاط الإيراني.
ورغم هذه الجوانب المتعددة للاستراتيجية الأمريكية إلا أن هناك معلومات تقول إن الولايات المتحدة تفكر في طريقة مبتكرة وجديدة «لتعميق الألم» الإيراني خلال الفترة المقبلة، وأن المرحلة المقبلة حتى نهاية 2020 سوف تشمل إجراءات جديدة، فهل تشكل تطوراً نوعياً في الاستراتيجية الأمريكية للتعامل مع إيران؟
المعركة إلى الداخل
خلال الأسابيع الأخيرة التي أعقبت إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة في الخليج طلبت الإدارة الأمريكية مجموعة من الخيارات بعيداً عن الحرب، ووصلتها الكثير من الأفكار، وتدور غالبية هذه الآراء حول ضرورة «نقل المعركة للداخل الإيراني»، وسبب هذا التفكير هو أن تأثير العقوبات القصوى قد يحتاج إلى عام أو عامين إضافيين حتى تركع إيران وتتراجع عن خططها الحالية، وأن قيام إيران وأذرعها بعمليات «رخيصة مالياً» مثل الطائرات المسيرة، وتهريب النفط، واستبدال النفط بالذهب على الحدود الأفغانية الإيرانية قد يؤجل التأثير «المميت» على حكام طهران، وأن الطريقة المتفق عليها أمريكياً للإسراع بقطف ثمار العقوبات الاقتصادية، وتحقيق نتائج أفضل من الحرب هو نقل المعركة للداخل الإيراني، لذلك الاستراتيجية الأمريكية الجديدة ربما تنقل المعركة للداخل، مما سيضيف إلى وجع أذرع إيران في الخارج، ضغوطاً جديدة في الداخل من خلال العمل مع المهمشين الآذريين والبلوش والأهواز والأكراد وغيرهم.