يتفق علماء الاجتماع السياسي وخبراء العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية، على أن التطور السياسي في أي مجتمع يرتبط بالتطور الاجتماعي والتطور الاقتصادي، حتى تسير عجلة التنمية في اتساق وتناغم... فلا يستقيم أن يتطور المجتمع، أي مجتمع، اقتصادياً ويبقى متخلفاً اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، ذلك أن المفهوم المعاصر يرى التنمية البشرية من منظور شمولي..

ونعني به مفهوم الاستدامة، وهو المفهوم الذي يجعل المواطن محوراً للحراك التنموي.

والتنمية المستدامة كما حددتها الأمم المتحدة، لا تحقق نمواً اقتصادياً فحسب، وإنما هي منهاج تتوسع فيه الخيارات، وتتعدد الفرص للمشاركة الفاعلة والفعلية في صنع القرارات ذات العلاقة، ليس فقط بحاضرهم، بل ومستقبلهم أيضاً.

وينصب حديثنا على المشاركة السياسية هذه المرة، لارتباطها بالمستجدات المطروحة على أرض الواقع، خصوصاً وبلادنا تستشرف آفاقاً جديدة بعد صدور قرار تعديل تشكيل اللجنة الوطنية للانتخابات، وأيضا القرار رقم (1) لسنة 2019 الخاص برفع نسبة تمثيل المرأة في المجلس الوطني الاتحادي إلى 50% وبالتالي دخوله حيز التنفيذ بالتزامن مع الفصل التشريعي المقبل للمجلس.

والذي سنعرض له في مقالة لاحقة بإذن الله. يقول الدكتور/‏‏ يوسف الحسن، في مقالة نشرها مؤخراً، إن نظام الرفاه في الخليج قام على أساس تقديم تعليم مجاني، علاج مجاني، سكن مجاني، وعمل مضمون.

وهكذا ولدت الدولة الراعية. ويضيف: إن هذا النموذج عوض الناس عن سنوات طويلة من الحرمان والفقر، لأن الدولة وفرت الحاجات الأساسية للمواطنين؛ والنتيجة أن معدل السن المتوقع للإنسان في الإمارات، ارتفع إلى 78.3 عاماً 2006، وهو معدل مقارب لمعدل السن في الدول الصناعية المتقدمة، علماً ان أعلى معدل في اليابان بلغ 82 عاماً..

ولعلي أتفق مع ما ورد بشأن المتغيرات التي جلبتها السنوات الأخيرة لحقبة التسعينات، ممثلة في العديد من الظواهر، لعل من أهمها بروز الأحادية القطبية، واستشعار الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية وهيكلية، وتزايد الضغوط الدولية في اتجاه الإصلاح، في ظل تكوينات مجتمعية هشة وضعف في التنمية السياسية، والتنمية السياسية هي رديف للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

أما على الصعيد السياسي، فقد ظهرت على مستوى العالم العربي مطالبات بضرورة إعادة تشكيل علاقة الدولة ومواطنيها لإعلاء قيمة المواطنة عبر إصلاحات سياسية واسعة فرضها بروز عصر المعلوماتية والفضاء المفتوح، وبروز الدور السياسي لشبكات التواصل الاجتماعي، والذي تجلى مع هبوب رياح ما يسمى «الربيع العربي»، الذي دق ناقوس الخطر ونشر الفوضى في ساحات وميادين العديد من المدن الكبرى في الوطن العربي.

إن المتتبع للمشهد السياسي العربي لا يفوته إدراك حقيقة بديهية، وهي أن كثيراً من الإصلاحات السياسية أصبحت تأتي من أسفل وليس من أعلى، أي على غير ما كان سائداً وشائعاً..! فالشباب الذي يمثل 62% من مجموع السكان، صار قوة داخلية ضاغطة، لها مطالبات كان مسكوتاً عنها لسنوات طويلة، إلا أن الضغط ولد الانفجار وجلب الفوضى والخراب في بعض الدول.

إن القارئ للتاريخ والتطورات السياسية في مجتمع الإمارات، يدرك أن نقطة البداية كانت مع ميلاد دولة الاتحاد، حيث نص الدستور في المادة 45 على أن سلطات الدولة 5، وهي:

1. المجلس الأعلى للاتحاد، 2. رئيس الدولة ونائبه، 3. مجلس الوزراء، 4. المجلس الوطني الاتحادي، 5- الهيئة القضائية، والمتتبع لمجريات التطور السياسي، يلاحظ أن البناء الهيكلي للدولة سار على ما تعارفت عليه دول العالم المعاصر، القاضي بوجود ثلاث سلطات للدولة، وهي: السلطة التنفيذية - السلطة التشريعية - السلطة القضائية، وسنتناول بشيء من الإيجاز تباعاً، مهام كل سلطة في سياق محددات ما نص عليه دستور الدولة.. أولاً؛ السلطة التنفيذية:

حسب منطوق دستور دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن السلطة السياسية تتركز في المجلس الأعلى للاتحاد، والذي يتكون من جميع حكام الإمارات المكونة للاتحاد. وينعقد المجلس مرة كل عام، وتتخذ فيه القرارات بالأغلبية، بما في ذلك صوت أبوظبي ودبي.

وأن تلتزم الأقلية برأي الأغلبية. يتضح مما سبق أن المجلس الأعلى للاتحاد يعتبر هو السلطة العليا للاتحاد، ومن ثم فهو يمثل قمة السلطة التنفيذية والمسؤول عن رسم السياسة العليا للدولة، وهو الذي يختار رئيس الدولة ونائبه من أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد، كما يوافق على تعيين رئيس السلطة التنفيذية بناءً على اقتراح رئيس الاتحاد.

ومن ثم يصبح مجلس الوزراء مسؤولاً عن رسم السياسة العامة للدولة أمام رئيس الاتحاد.

يلاحظ أن المسؤولية التضامنية بين السلطات الثلاث، تجعلها أقرب ما تكون للنظام البرلماني، الذي يسير عليه الكثير من دول العالم، وهو نظام مرن ومقبول ويحظى بالتأييد. وسنعرض في مقال لاحق للسلطتين التشريعية والقضائية إن شاء الله.

Ⅶ كاتبة إماراتية