يركز مشروع التحول المعرفي في مجتمعات المعرفة، على التسلسل المنطقي في تحديث منظومة البحث العلمي والحاويات الفكرية، لولا أن الموارد المعرفية التي يعتمد عليها مجتمع المعرفة في عملية التحديث، مرهونة بوجود آليات توليد المعرفة داخل تلك المنظومة البحثية وبيوت الخبرة.
ولا بد من التوضيح أن توليد المعرفة، وهو ملمح رئيس من ملامح عدة للتحول المعرفي، وأحد علامات الانتقال نحو اقتصاد المعرفة، لا يذهب بعيداً عن أساليب الفلاسفة القدامى، فسقراط كان يمتاز بأسلوب الحوار والتوليد للمعرفة، وإظهار الضمنيات، وجعلها معرفيات ظاهرية.
لكن في عصر المعرفة ومجتمعات المعرفة، يمكن القول إن الحوار والتوليد قد أخذ شكلاً أكثر اتساعاً مما كان عليه في عهد سقراط، فهو لم يعد بين شخصين فقط، بل ومع الكثافة المعرفية والنوعية، صار يختص بمجتمع بأسره، وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنه أخذ سياقات تنظيمية جديدة، لا بد من مراعاة أنساقها.
حيث يتطلب في حالة التحول المعرفي في مجتمعات المعرفة، إلى تحديث المنظومة التعليمية ومناهجها وبرامجها، وفقاً لأسس التوليد المعرفية، ما يعني أنها ستصبح مناهج ذات طابع عقلي نقدي، وليس تلقينياً نقلياً، فالحوار يقتضي التراكم المعرفي، والأفكار لا تنضج بطبيعتها إلا بعملية التوليد، والحوار يعني أن تلوكها الألسن لإظهار بواطنها وضمنياتها، وجعلها على السطح الظاهري.
ووفقاً لبعض التعريفات، فإن توليد المعرفة يتعلق بالعمليات التي تركّز على أسر، وشراء، وابتكار، واكتشاف، وامتصاص واكتساب والاستحواذ على المعرفة. حيث تشير هذه العمليات إلى التوليد والحصول على المعرفة، ولكن بأساليب ومن مصادر مختلفة.
فالشراء يشير إلى الحصول على المعرفة عن طريق الشراء المباشر، أو عن طريق عقود الاستخدام والتوظيف، والامتصاص يشير على القدرة على الفهم والاستيعاب للمعرفة الظاهرة، والأسر يشير إلى الحصول على المعرفة الكامنة في أذهان وعقول المبدعين، والابتكار يشير إلى توليد معرفة جديدة غير مكتشفة وغير مستنسخة، والاكتشاف يشير إلى تحديد المعرفة المتوافرة.
ويمكن توليد المعرفة من خلال عدد من العمليات التي تمتد بين تحدي الإبداع وبين البحث الجاد، كما أن الأفراد فقط هم الذين يولدون المعرفة، ولا تستطيع المنظمة توليد المعرفة بدون الأفراد. وتركز عملية توليد المعرفة المنظمية، على توسيع المعرفة التي يتم توليدها على يد الأفراد، ومن ثم بلورتها على مستوى الجماعة، من خلال الحوار والمحادثة والتشارك في الخبرة، أو مجتمع الممارسة.
واقترح (Cohen & Levinthal)، نموذجاً شاملاً لاكتساب المعرفة، بالاعتماد على البحث والتطوير، ويؤكد النموذج المقترح على ثلاث نقاط جوهرية: إن توليد المعرفة هو جهد بشري. تأثير الأبعاد الضمنية والظاهرة للمعرفة في عمليات التوليد. الطبيعة التراكمية لتوليد المعرفة.
ولا بد من التأكيد على أهمية ابتكار المعرفة الجديدة، حيث عندما تتغير الأسواق، فالمؤسسة الناجحة هي التي تولد المعرفة الجديدة باستمرار. وأكد (Nonaka & Takeuchi)، على أن توليد المعرفة يقود إلى توسيعها، من خلال مجموعتين من الديناميكيات التي تدفع عملية توسيع المعرفة: الأولى: تحويل المعرفة الضمنية إلى معرفة ظاهرة.
والثانية: تحويل المعرفة من المستوى الفردي إلى المستوى الجماعي.
وعلى صعيد المؤسسات والتنظيمات العملية، ولتحقيق فاعلية توليد واكتساب المعرفة، يقترح Coakes تنفيذ عدد من النشاطات، لتحويل المعرفة الضمنية إلى معرفة معلنة، منها إدارة اجتماعات غير رسمية، فالأجواء غير الرسمية، تساعد على تخفيف حدة التوتر الذي يسود العلاقات الرسمية القائمة بين المديرين والمستشارين، وتساعد على التخلص من أي حالة من حالات الإرباك الناجمة عن طرح أسئلة استفسارية حول موضوع ما.
واستخدام المجازات Metaphor، والتناظر الوظيفي Analogy، وسرد القصص من أجل شرح وتفسير المفاهيم الضمنية التي يمتلكها المديرون والمستشارون. وترجمة المعرفة الضمنية التي تم شرحها من خلال ربطها بأنظمة التعويض والمكافأة، تعويضاً عن الوقت والطاقة المخصصين لتنفيذ العملية.
واستخدام البنى أو الهيكليات المنظمية المرنة أو الشبكية. وإدخال أنظمة المكافآت والتعويض في عملية تقييم المهارات، وذلك بهدف تشجيع الأفراد على تحويل المعرفة الضمنية التي يمتلكونها إلى معرفة معلنة. واستخدام تطبيقات مجموعات المحادثة، وتقنية البريد الإلكتروني، من أجل خزن المعرفة الضمنية.
وقد قدّم Quinn (1996) أربعة مبادئ لتوليد واكتساب المعرفة، هي تعزيز التفكير النقدي، وقدرة الأفراد على حل المشكلات، والتغلب على معارضة الأفراد المهنيين للمشاركة بالمعلومات، والتحول من الهياكل الهرمية إلى التنظيمات الشبكية، وتشجيع التنوع الفكري داخل المنظمات المعرفية... وللحديث بقية.
Ⅶ مستشارة اقتصاد معرفي