بدأت الجلسات العلنية في مجلس النواب الأمريكي لتوجيه اتهام للرئيس دونالد ترامب باستغلال السياسة الخارجية الأمريكية لتحقيق مصالح شخصية من خلال الضغط على الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي لفتح تحقيق بشأن فساد نجل جو بايدن المنافس الديمقراطي لترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة.
فهل يمكن أن تصل هذه الاتهامات إلى محطتها الأخيرة بعزل ترامب؟ وما هو رد الفعل لدى الشعب الأمريكي على هذا السجال والانقسام بين النخبة الأمريكية؟
وإلى أي مدى سينعكس ذلك على حظوظ الرئيس ترامب ومرشحي الحزب الديمقراطي في الوصول للبيت الأبيض في نوفمبر المقبل؟ وهل بالفعل باتت الديمقراطية الأمريكية تباع على الأرصفة كما قال الكاتب الأمريكي جريج بالاست في كتابه «أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها»؟
دلائل غير قاطعة
من يستمع للشهادات والإفادات سواء العلنية أو السرية التي قدمها مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون أمام لجان مجلس النواب لا يجد شيئاً قاطعاً يؤكد أن الرئيس ترامب استغل منصبه، فلا يوجد في المكالمة بين ترامب ونظيره الأوكراني زيلينسكي التي جرت في 25 يوليو الماضي ما يفيد بأن ترامب اشترط إجراء التحقيق مع هنتر نجل جو بايد مقابل دفع 391 مليون دولار مساعدات أمريكية لأوكرانيا لمواجهة النفوذ الروسي والمتمردين في مناطق لوغانسك ودونباسك شرق أوكرانيا.
وأن أكثر عبارات اللوم والتقريع جاءت من جنيفر وليامز مساعدة نائب الرئيس مايك بنس التي وصفت المكالمة بأنها غير لائقة، ومن يبحث في تاريخ جنيفر وليامز يتأكد أن شهادتها خلاصة خلافات قديمة مع ترامب حيث تم طردها من الإدارة الأمريكية.
ولهذا أحضر الديمقراطيون جنيفر وليامز، وتيم موريسون وهو مساعد سابق للبيت الأبيض حتى يكون لديهم شهادة ضد الرئيس الأمريكي بعد أن فشلت قضيتهم بشأن التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة عام 2016، وإذا كان الأمر كذلك فما هدف الديمقراطيون من كل هذا؟
التشويش وليس العزل
المؤكد أن هدف الديمقراطيون «التشويش» على إنجازات الرئيس ترامب وخاصة الاقتصادية منها حيث نراجع حجم البطالة في الولايات المتحدة لأدنى مستوى منذ نصف قرن، وعادت مصانع «ولايات الصدأ» الأمريكية للعمل مرة أخرى بعد أن أغلقت أبوابها وشرد موظفيها نتيجة اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعها الرئيس أوباما.
كما عادت خطط تحديث الجيش الأمريكي بـ750 مليار دولار بعد أن أهملها جورج بوش الابن وأوباما، وبلغ الناتج القومي الأمريكي نهاية 2018 أكثر من 20.4 تريليون دولار، وأصبحت فترة تداول السندات وعمل البورصات الأمريكية «فترات ثراء ورخاء» غير مسبوقة للشعب الأمريكي.
لهذا أدركت نانسي بيلوسي وآدم شيف، وما يقرب من 20 مرشحاً للحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية أنهم لن يستطيعوا منافسة ترامب في المجالات الاقتصادية أو يواجهوا شعبيته الكبيرة فحاولوا من قبل من خلال قضية التدخل الروسي في الانتخابات، والآن عبر استغلال مكالمة ترامب مع الرئيس الأوكراني.
وبتحليل كمي لنتائج تصويت مجلس النواب على بدء الجلسات العلنية لتوجيه اتهام للرئيس ترامب نجد أن التصويت تم على أساس «حزبي»، بمعنى لم يصوت نائب جمهوري واحد ضد ترامب، كما أن هناك كتلة تصل لـ30 نائباً ديمقراطياً يوصفون «بالمعتدلين» وهؤلاء يعتقدون أن إضاعة الوقت والجهد في قضية مساءلة ترامب يفقد الحزب الديمقراطي الكثير من الأنصار والمؤيدين.
وهذا يؤكد أنه في حال إقرار مجلس النواب لتوجيه اتهام للرئيس ترامب حيث يملك الحزب الديمقراطي الأغلبية في مجلس النواب فإنه يحتاج تمرد «20 نائباً جمهورياً» في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون، وهذا مستحيل في ظل المعلومات الهزيلة التي قدمها من استجوبهم مجلس النواب.
فقر سياسي
واضح حتى الآن أن الديمقراطيين خسروا من محاولاتهم الإضرار بترامب، حيث تراجع جو بايدن في استطلاعات الرأي بالنسبة لجمهور الديمقراطيين من المرتبة الأولى إلى المرتبة الرابعة، وهو الشخصية التي يراهنون عليها لهزيمة ترامب.
كما أن الشارع الأمريكي لا يجد شخصية قوية أو لامعة يمكن أن تنافس الرئيس ترامب، فالمرشح اليساري بيرني ساندرز، والقاضية إليزابيث وارين ليسوا بنفس مستوى ترامب أو حتى هيلاري كلينتون.
كما أن الناخب الأمريكي بات يستحضر مع هذا الجدل تواطؤ الحزب الديمقراطي الأمريكي مع هيلاري كلينتون عام 2016 ضد بيرني ساندرز، والآن يتساءلون عن مدى فساد جو بايدن ونجله هنتر في شركة الطاقة الأوكرانية.