مصر الدولة هي الوطن والغاية، وهي المصلحة العليا التي تتفوق على كل المصالح، والكل زائل وآن ومؤقت، الفرد والحكم والنظام، لكن صلاح الفرد والحكم والنظام يصب في مصلحة مصر الدولة والوطن، حيث توافقت إرادة مصر السياسية على أن المواطنة المتكافئة الحقوق والواجبات هي الأصل والأساس وهي حق الجميع دون تمييز في اللون أو الجنس أو الدين، وإذا وضعنا أمام أعيننا أيضاً أن العدل أساس الملك، به يتحقق الاستمرار والاستقرار، ويتعزز الانتماء والرضا العام، وتتماسك وحدة المجتمع وترابطه..

ومصالح مصر الدولة مقدمة على جميع المصالح في كل الأحوال دون استثناء، تسبق روابط الدم والدين، فأنا مصري أولاً قبل أن أكون مسلماً أو مسيحياً، وأخوة الوطن تسبق أخوة الدين، والوطنية المصرية هي العاصم الأكبر من كل صور الزلل، وهي جواز المرور إلى أخوة العالم وأخوة الإنسانية. هذه بديهيات لا تحتمل اختلاف الرأي.

مصر تمر الآن بمرحلة بعث جديد، تظهر علاماتها واضحة للعيان بعد أن أنجزت إصلاحاً اقتصادياً أرهقها كثيراً لكنه وضعها على الطريق الصحيح، ومكنها من أن تضع غداً أفضل.

نعم تُشكل المواطنة المتكافئة الحقوق والواجبات نقطة البدء الصحيح في مسار النهضة المصرية، وتؤكد الإنجازات المستمرة في مشروع إعادة البلد أن مصر أرست بالفعل قواعد راسخة لدولة مستقرة آمنة، تستطيع المضي قدماً على طريق المستقبل بخطى واثقة ثابتة، لا يتهددها خلالها أي من الأخطار القديمة لهذا الفكر المتطرف، بعد أن فات أوان أن تقفز جماعة الإخوان مرة أخرى على الحكم، وتيقن المصريون من أهداف الجماعة ومراميها ونبذوا بالفعل كل أهداف العنف والتطرف وعرفوا أن الوسطية والاعتدال هما جوهر دينهم وهما الطريق الصحيح لبناء عالم أكثر أمناً وسلاماً..

ومن ثم فإن مزيداً من حرية الانفتاح على الآخر سوف يضفي الكثير من الخصوبة والحيوية على تطور المجتمع، دون أن يمس أمنه واستقراره، وسوف يغلق الأبواب أمام شطط الفكر المتطرف، وانفتاح الفكر هي السنة الصحيحة لحرية البحث العلمي التي تفتح آفاقاً جديدة للمستقبل، وهي ضوء الشمس الباهي الذي يصعب أن تتعايش معه أفكار الظلمة التي تنمو وزاد خطرها في المجتمعات التي تغلق نوافذ الحرية والتعبير الحر.

وأظن أن من حق المصريين الذي صبروا وصابروا أن يشموا هواء نقياً متجدداً، لأنهم امتحنوا إرادتهم بما يؤكد صدق توجههم، ولأنهم خاضوا التجربة على نحو شامل وعميق، أكسبهم مناعة الوقوع في الخطأ نفسه مرة ثانية، خاصة أن عموم المصريين كانوا على امتداد أكثر من 80 عاماً دائمي التوجس من خطر جماعة الإخوان، يتساءلون دائماً عن علاقتها الخفية بالمحتل البريطاني، ولماذا نشأت على وجه خاص في الإسماعيلية؟!

وما هي دوافع البريطانيين في أن يكونوا السند الأول لنشأة الجماعة، ولماذا حافظ البريطانيون على هذه العلاقة التاريخية الطويلة مع جماعة الإخوان؟!، ولماذا امتنعوا عن وصف الجماعة بالإرهاب، رغم أنها أول من ارتكب جرائم الإرهاب السياسي في مصر، في جريمة مقتل الخازندار وجرائم أخرى عدة يصدق معها هذا القول المأثور بأن كل جرائم العنف والإرهاب خرجت من تحت معطف جماعة الإخوان.

ويعرف المصريون جميعاً تاريخ الجماعة، كما يعرفون كل جرائمها، ولم يحدث على طول تاريخ مصر الحديث، أن تعاطف الشعب المصري مع جماعة الإخوان أو ساند تنظيماتها السرية التي كانت تمثل الوجه الآخر الشرير للجماعة، مقابل صورتها العلنية التي تتمثل في دعاة وأئمة يحتفظون أمام الناس بصورة ورعة تخفي عمل الجماعة السري.

ولعل أكثر ما أغضب المصريين من الجماعة، جبن قيادتها التاريخية، الذي كان يلزمهم دائماً إبراء ذمة قادة الجماعة من عشرات الآلاف من الشباب الذين كان يتم اعتقالهم ساعة وقوع الأزمة، وينكرون عليهم ساعة الأزمة أن يكونوا إخواناً أو مسلمين كي يظفر القادة بالصلح مع نظام الحكم، وإنما يذهب عشرات الآلاف إلى المعتقلات، لأن قادة الجماعة أنكروا عليهم أن يكونوا إخواناً أو مسلمين! ومع الأسف لم تفطن أجيال عدة من شباب الجماعة إلى هذا النفاق المتجذر في تاريخ الجماعة الذي أدى إلى هلاك عشرات الآلاف من شبابها.