بعد إعلان الرئيس فلاديمير بوتين سلسلة الإصلاحات الدستورية ومنح البرلمان لأول مرة سلطة تعيين رئيس الوزراء.
يرى البعض في روسيا أن هذا تمهيد لمغادرة بوتين السلطة عام 2024 خاصة إنه رفض علانية فكرة بقائه في السلطة مدى الحياة، وهو ما يطرح السؤال عن روسيا ما بعد بوتين.
ومدى تأثير ذلك على العالم والشرق الأوسط والمنطقة العربية؟
قد يجادل البعض بأن الاقتصاد الروسي يعاني من مشكلات كثيرة، وقد يتهمه آخرون بأن اهتم بقضايا الخارج على حساب الداخل إلا أن الرئيس بوتين أثبت خلال العشرين عاماً الماضية النظرية التي تقول «إن الأمم لا تنسحب من التاريخ» .
وإن الشعوب ذات الحضارة مهما ضعفت وتراجعت إلا أنها تنبش في أعماقها عن القوة والرجوع مرة أخرى إلى صدارة العالم، هذا بالضبط ما حدث مع روسيا البوتينية، فرغم الوضع المأساوي الذي كانت عليه روسيا ليلة استقالة الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين.
وتولي رجل «الكي جي بي» إلا أن بوتين أحدث انطلاقة غير مسبوقة في مسيرة الشعب الروسي عندما استلهم الماضي العريق لروسيا القيصرية.
وتصالح مع القيم الاشتراكية وعصرنتها بما يتفق مع الواقع، وفي نفس الوقت الانفتاح التدريجي على العالم الغربي، لذلك تجنب صدمات «البريسترويكا والجلاسنوست» وأستعاد أمجاد الكبار الذين صنعوا التاريخ الروسي على مدى عشرات العقود.
ورغم الأصوات التي تقول إن بوتين سوف يستمر في المشهد السياسي حتى لو ترك الرئاسة 2024 فإن المعايير التي وضعها بوتين للقيادات الجديدة تؤكد أنه بدأ «يهندس» للمرحلة التالية، فوفق المعايير البوتينية التي أصبحت معايير الدستور الجديد، فإن أي منصب جديد يشترط أن يكون من يتولاه لم يعش خارج روسيا في آخر 25 عاماً، وأن لا يكون معه أي جنسية أو إقامة دائمة أو مؤقته في دولة أجنبية.
لكن القلق في الخارج ربما يكون أكثر بكثير من الداخل، فرغم الخلافات الغربية مع بوتين على خلفية ضم موسكو لشبه جزيرة القرم.
والزعم بالتدخلات الروسية في عدد من الانتخابات الغربية، والدخول الروسي العسكري في الملف السوري يظل الرئيس بوتين في نظر الكثيرين بالرجل الذي يستطيع أن ينفذ ما يقوله.
وأنه يتمتع بالبراجماتية ويمكن التوصل معه لحلول سياسية لقضايا شائكة مثل اتفاقية منع نشر وتطوير الصواريخ النووية قصيرة ومتوسطة المدى التي انتهت في فبراير 2019، واتفاقية ستارت 3 «التي تنتهي 2021، والتقارب الروسي مع الصين والهند.
المؤكد أنه إذا استمر بوتين في المشهد السياسي بعد 2024 أو غادره ستظل الحقبة «البوتينية» علامة فارقة، ليس فقط في تاريخ روسيا بل في مسيرة العالم أجمع.