سنظل على التزامنا العربي بالقضية الفلسطينية الذي لابد أن يكون واضحاً أنه التزام بما يقبل به الفلسطينيون، لا التزام بما يعرض عليهم، نقطة ومن أول السطر.
لذلك أنصح دول الخليج سواء على المستوى الرسمي كحكومات أو على المستوى الشعبي كإعلام أو على المستوى الشخصي كمحللين وكتاب خليجيين أن يتركوا التعليق على ما سمي «بصفقة القرن» للفلسطينيين وحدهم، وإن سئلوا فليكن أن ما يتفق عليه الفلسطينيون سندعمه.
هذه القاعدة هي التي يجب أن يلتزم بها كذلك جميع المحللين العرب والخليجيين بالأخص، فلا تشجيع ولا تحريض ولا دفع باتجاه أي قرار، فأهل مكة أدرى بشعابها، وما ذلك إلا لأن العديد من الفلسطينيين يتركون قضيتهم ويتركون من قدم المقترح -سواء كان ترامب أو كان أحد آخر- ويتفرغون فقط لسب وشتم الآخرين من العرب واتهامهم ببيع القضية وبيع فلسطين!!
منذ 1948 إلى عام 2020 قدمت للفلسطينيين العشرات من المبادرات التي عرضت عليهم، واختلفوا فيما بينهم عليها وتقاتلوا، وقتلوا بعضهم البعض وتاجر بعضهم بقضيته وتكسب البعض الآخر من ورائها، والأهم عانى الكثير من الفلسطينيين من تجاهلهم لبعضهم البعض، وعانى من صمد وظل متمسكاً بترابه في الداخل، أصبحت أحوال من هم في الداخل غير من هم في الخارج. وانقسموا ومع ذلك لم يتمكن أحد من فرض «القبول» عليهم بأي من تلك المبادرات.
قد تفرض مخرجات تلك المبادرات عليهم بالقوة وتقتطع أراضيهم منهم قطعة قطعة قد تفرض كنتيجة للحروب، إنما لا أحد فرض عليهم «القبول»، وعلى هذا الأساس لهم في هذه الحالة أن يرفضوا صفقة ترامب ويرموها بحراً كما رفضوا غيرها الأمر عائد لهم وحدهم.
لا قيمة لأي رأي لأية دولة أخرى ولا أي شعب آخر، لا قيمة لموقف أي شعب غير فلسطيني رافض للصفقة، أو قيمة لموقف أي شعب غير فلسطيني قابل بالصفقة، لا قيمة للموقف الأمريكي أو حتى الأوروبي برفض أو قبول الصفقة، فلم إذاً نختلف أو نتقاطع على شيء لا نملكه وليس لنا يد عليه؟!
لم يتشاجر السعودي مع السعودي أو البحريني مع البحريني أو المصري مع المصري على قبول أو رفض أية مبادرة تقدم للفلسطينيين إذا كان الأمر في النهاية سيعود لهم بالقبول أو الرفض؟
المقترحات -كما هي المعونات المادية- تقدم لمساعدة الفلسطينيين كشعب يعاني من الاحتلال والتهجير والشتات واللجوء والمخيمات، لهم أن يأخذوها ولهم أن يرفضوها ويتصرفوا وفق ما يرونه صالحاً لهم، كل ما قدمه العرب لن يزيد عن أن يكون عاملاً مساعداً لهم على تحمل معاناتهم، وقدموا لهم كل ما يمكنهم تقديمه بدءاً من أرواح الشهداء الذين سقطوا في الحروب التحريرية، وصولاً للمساعدات المادية، ومروراً بالمواقف السياسية الداعمة للموقف الفلسطيني، لا أكثر ولا أقل، إنما تبقى القضية فلسطينية في النهاية ولأهلها فحسب، أياً كان إيماننا بموقع فلسطين الديني في وجداننا، فإننا في النهاية لن نكون أكثر انتماء من أهلها لهذه المواقع، فلا مكانة المسجد الأقصى ولا قدسية قبة الصخرة عندنا كمسلمين ستمنحنا الحق أن نقرر نيابة عن أي فلسطيني، فلا نزايد على بعضنا البعض ولا نتبرع برأي في مسألة ما وأصحابها موجودون، ولا نختلف كعرب وكخليجيين فيما بيننا في أمر لا نملك قراره، ولا نختلف فيما بيننا ونضيف نقطة خلاف في كأسنا الفائض أصلاً.