أردوغان يتصور أنه قادر على خداع الجميع، وأنه يرى ما لا يراه الآخرون، وأنه قادر على تحقيق أوهامه المستحيلة.

بينما هو يمضي من فشل إلى آخر، ويسير في طريق السقوط بعناد عثماني أصيل، ويتحول إلى وباء عاصف يتجول في المنطقة فلا يترك وراءه إلا آثار شروره وفلول عصابات الإرهاب الإخواني التي يشاركها الجريمة والمصير.

يأخذ الرجل مصير تركيا الذي كان واعداً إلى المجهول، ويزرع المشكلات ويستبيح الأرض العربية باعتبارها إرثاً للجدود، أو مجالاً لمد النفوذ.

يبني تصوراته على أنه قادر على التلاعب بالكل. أن يكون شريكاً لأمريكا في «الناتو» وحليفاً لروسيا في الوقت نفسه، وأن يبتز أوروبا بحلفائه الحقيقيين من عصابات الإرهاب الإخواني الداعشي، بعد أن كان جزءاً من مشروع أوروبا والغرب في المنطقة!!

لا يدرك الواهم العثمانلي أن العالم تغير، وأن الأقنعة قد سقطت، وأن الصراعات في عالم اليوم لا تدار بأساليب قصور العثمانيين القديمة، ولا بعقلية الإرهاب الإخواني، لا يفهم أنه - مثل الإخوان ومثل قوى إقليمية أخرى - مجرد أدوات في مخططات أكبر.

وأنه ليس إلا رقماً صغيراً في صراع أكبر منه، وأنه لن يكون سلطاناً ولن يكون الإخوان «أساتذة العالم» كما يتوهمون، ولن يكون إلا دوراً صغيراً في خدمة مخططات أكبر ثم ينتهي الدور وتتم تصفية الحسابات!!

يتصور الواهم العثمانلي أن العالم سوف يسمح له بتحويل ليبيا إلى مركز لعصابات الإرهاب ومصدر دول الجوار العربي والأفريقي والأوروبي، تماماً كما تصور من قبل أن العالم سيتركه يحول «إدلب» السورية إلى محمية تركية يتجمع فيها كل فلول الإرهاب الإخواني والداعشي ليكونوا سلاحه في ابتزاز المنطقة والعالم.

والمشكلة أن الرجل لا يفهم أن صبر العالم عليه ليس خوفاً بل لأنه مازال في دوره بضعة مشاهد لا بد أن يؤديها ومازالت قوى كبرى يظن أنه يخدعها تستخدمه كما تريد، يهدد سوريا بالحرب لأنها تستعيد جزءاً من أرضها من قبضة عصابات الإرهاب المتحالفة معه، تماماً كما يهدد جيش ليبيا الوطني إذا مضى في طريقه لتحرير العاصمة طرابلس من ميليشيات الإخوان والدواعش.

يتحول الرجل إلى «مصنع» لإنتاج الإنذارات إلى العالم كله. إنذار إلى روسيا إذا لم تتركه مع حلفائه من عصابات الإرهاب يستبيحون أرض سوريا، وإنذار إلى أمريكا إذا لم تمنحه بركاتها مرة أخرى. وإنذارات إلى أوروبا إذا لم تتركه يسرق ثروات ليبيا وغاز البحر المتوسط!!

وتركيا التي تسلّم المسؤولية فيها وهي دولة واعدة تشهد نهضة اقتصادية هائلة، وتتلقى الدعم الكبير من الغرب.

تركيا هذه لم تعد كما كانت، الدولة المدنية العلمانية، سلمها أردوغان للفكر الإخواني ولأوهام استعادة الخلافة والسلطنة، والاقتصاد الناهض يواجه كارثة، حيث تنهار العملة ويتراجع النمو وتصعب فيها الحياة على معظم الأتراك، السياسة الخارجية التي هندسها داود أوغلو لكي تنفتح تركيا على المنطقة العربية وعلى العالم تحت شعار «صفر مشكلات» انهارت أمام الهوس الأردوغاني الذي أفقد تركيا كل الحلفاء إلا عصابات الإرهاب ومن يحكمون باسمها في بعض الدويلات الصغيرة والمتعثرة.

لم يسمع أردوغان حتى صوت الأتراك وهم يلقنونه درساً في الانتخابات البلدية التي حاول استخدام سلطته في تغيير نتائجها دون نجاح، بدلاً من ذلك استغل ما قيل عن انقلاب لم تكشف حقيقته حتى الآن، لكي يعزز سلطته كحاكم أوحد، ولكي يبطش بمنافسيه من كل الأطياف السياسية ولكي يملأ السجون بعشرات الألوف، ويطلق العنان في محاولة السيطرة على كل أجهزة الدولة من خلال أعوانه. ثم كان الخطر مع خروج الرفاق القدامى «أوغلو وبابان» لكي يؤسسوا أحزابهم الخاصة التي تأخذ معها جزءاً أساسياً من أنصار حزب أردوغان الذي يتمزق من الداخل.

لم يعد الداخل التركي منقسماً فقط بين يمين ويسار ووسط، كما كان الحال قبل السقوط في قبضة أردوغان، الآن يتوحد الجميع في مواجهة الهوس الأردوغاني وما جره على تركيا، الآثار الاقتصادية السلبية تتزايد، والشعور بالعزلة عن المنطقة العربية ومشاعر العداء التي تتصاعد لم تعد خافية، النضال ضد استبداد أردوغان يوحد كل القوى السياسية.

ومع ذلك كله يبدو أنه ماضٍ في طريقه، رابط بين مصيره ومصير العصابات الإخوانية الإرهابية وذيولها في بعض العواصم العربية أو خارجها، وبدلاً من سماع أصوات التحذير من قوى تركيا الحية يمضي أردوغان ويتصور أنه قادر على مد نفوذه من «إدلب» السورية إلى «طرابلس» الليبية، وقادر على التلاعب بالقوى الكبرى التي تتلاعب به وبحلفائه، يمضي في توجيه إنذارات الحرب ضد الجميع بمن فيهم شعب تركيا الصديق، وربما تكون المأساة الأكبر أن البعض في العالم العربي مازالوا يراهنون على أن أردوغان مازال قادراً على أن يؤمّن وجودهم ويحرس خطاياهم!!