الواضح من تصريحات ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي الأخيرة الذي يتهم الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي بأنهم أصيبوا بجنون الحزبية وتجاوزوا الحدود، أن جهود الديمقراطيين لمساءلة الرئيس ترامب قد وصلت إلى طريق مسدود، رغم عناد نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب التي صممت على مساءلة ترامب ونجحت في استصدار قرار ساندته الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب يقضي بمساءلة الرئيس، ويتهمه باستغلال نفوذه لتحقيق أهداف سياسية على حساب مصالح الولايات المتحدة.
وكان زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ ماكونيل قد أكد أنه سيقف في صف الرئيس ترامب هو و53 عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ الذي يتألف من مائة عضو.
وأن أربعة من السيناتورات الجمهوريين فقط يمكن أن يصوتوا مع الديمقراطيين على عزل الرئيس ترامب، وذلك لا يفي بتحقيق شرط الثلثين لإقرار العزل، وأن استجواب الرئيس ترامب سوف يسقط في مجلس الشيوخ لا محالة، ومن المؤكد أنه سوف يتحول إلى عنصر قوة مضافة إلى ترامب، تزيد من شعبية وفرص نجاحه في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2020 التي يخوضها ترامب في مواجهة مع المرشح الديمقراطي المحتمل جو بايدن.
والواضح أيضاً أن الرئيس ترامب يدرك جيداً أن سقوط مساءلته في مجلس الشيوخ سوف يعزز موقفه الانتخابي وربما يمكنه من جمع المزيد من التبرعات لصالح حملته الانتخابية، خاصة أن الرئيس ترامب قد حقق في رئاسته الأولى عدداً من النجاحات الاقتصادية المهمة، حيث قلل نسب البطالة إلى أدنى مستوياتها في الولايات المتحدة وزاد من فرص التشغيل.
فضلاً عن نجاحاته الأخرى التي تتمثل في إنهاء الحرب التجارية مع الصين وتنظيم تعاملها التجاري في اتفاق جديد، يوسع فرص زيادة الصادرات الزراعية والصناعية الأمريكية في الأسواق الصينية، ويحد من قدرة الصين على إكراه السلع التي تدخل الأسواق الصينية على الإفصاح عن حقوقها في الملكية الفكرية ويزيد من رواج حياة المزارعين الأمريكيين لتدفق المزيد من السلع الزراعية والغذائية الأمريكية على أسواق الصين.
ويخوض ترامب معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2020 من موقع قوة بسبب نجاحاته الاقتصادية التي قللت نسب البطالة إلى أدنى مستوياتها، ولأنه نجح في وضع خطوط أساس جديدة مع الصين أكثر تكافؤاً، يفتح الأسواق الصينية أمام المزيد من الصادرات الأمريكية.
فضلاً عن علاقاته الجيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أكد في تصريحات أخيرة أن عملية مساءلة الرئيس الأمريكي ترامب في جوهرها عملية مفبركة لا تستند إلى حقائق ثابتة، وتراجع الأمريكيين عن اتهام الروس بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016، متهمين الأوكرانيين بأنهم السبب الرئيسي في عملية التدخل في انتخابات الرئاسة عام 2016 وليس الروس!
ولا يجابه الرئيس الأمريكي أي مشكلات كبيرة في علاقاته مع القوى السياسية الكبرى، فالجميع يتوافقون على أننا نعيش عصراً جديداً يتقلص فيه الاستقطاب الحاد لصالح علاقات كونية أوسع مع الكتل العالمية تمكن العالم من مواجهة المشكلات الكونية الحادة، وأبرزها تغيرات المناخ التي تكشف كل عام عن آثارها الكونية المتزايدة.
كما لا يجابه الرئيس الأمريكي أي مشكلات كبيرة على مستوى الداخل الأمريكي، خاصة مع اعتراف الجميع بأن الإنجازات الاقتصادية المهمة التي حققها ترامب أفادت معظم فئات المجتمع الأمريكي، وأن الولايات المتحدة تعيش في أفضل وضع اقتصادي ممكن، حيث ينخفض التضخم إلى حدوده الدنيا، وتتسع فرص التشغيل لتشمل كل فئات المجتمع ولا تتهدد قوى الداخل موجات هجرة ضخمة تزيد التنافس والصراع على فرص العمل في الداخل.
وخارجياً يبدو الإخفاق الوحيد في تزايد حدة الخلاف بين الولايات المتحدة وقوى الغرب الأوروبي بسبب إصرار الرئيس الأمريكي على ضرورة أن ترفع دول الغرب موازناتها العسكرية للإنفاق على الدفاع، ومع ذلك أقر كل الفرقاء في حلف الأطلسي في اجتماعاتهم الأخيرة في لندن بضرورة رفع موازنات الدفاع في دول الحلف إلى نسبة محددة من الناتج الوطني لكل دولة، بما يقلل من حدة الخلاف مع الولايات المتحدة وتصحيح موازنات الدفاع في دول الغرب الأوروبي.
* كاتب صحافي