حتى الآن. تبدو الأوضاع مواتية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في معركته من أجل فترة الرئاسة الثانية.
خرج ترامب سالماً من قضايا معاونة روسيا له في معركته الرئاسية السابقة ضد هيلاري كلينتون، كما خرج سالماً من محاولة عزله على خلفية قضية أوكرانيا.
ورغم المشاكل والصدامات الخارجية، فقد استطاع أن يحقق أوضاعاً اقتصادية جيدة وأن يرضي الأثرياء بتخفيض الضرائب، ويرضي الفقراء ومحدودي الدخل بانتعاش أضاف نسبة عالية من الوظائف الجديدة، وهبط بنسبة البطالة لحد كبير.
حزبياً، استطاع توحيد حزبه الجمهوري وراءه وهو الذي كان دخيلاً عليه في الانتخابات السابقة.
وظهر ذلك جلياً في احتشاد الجمهوريين حوله في مجلس الشيوخ، لتكون الغالبية التي يمتلكونها في المجلس هي الحصن الذي منع الإدانة، وأنهى محاولة العزل لصالح الرئيس.
وفي المقابل يبدو الحزب الديمقراطي منقسماً على نفسه بصورة كبيرة، وهو يحاول الاستقرار على مرشحه لمواجهة ترامب.
الانتخابات الداخلية تشهد صراعاً مريراً بين أجنحة الحزب، اختيار قيادة الحزب جون بايدن نائب الرئيس السابق أوباما لتراهن عليه، بدا اختياراً لا يحظى بما كان متوقعاً من تأييد داخل الحزب، وفي المقابل يأتي صعود مرشح الجناح السياسي في الحزب بيرني ساندرز غير مرحب به من قيادات الحزب لأنه - في تصورها- ليس المرشح القادر على حشد أصوات «الوسط» داخل وخارج الحزب من أجل هزيمة ترامب.
ورغم الدخول المتأخر للملياردير بلومبرغ حلبة المنافسة لمواجهة صعود ساندرز، فإن النتيجة قد تكون عكسية، وتحشد أكثر وراء ساندرز في مواجهة تحويل انتخابات الرئاسة إلى معركة بين المليارديرات. وليس بين السياسات!
من بعيد، تبدو الظروف مهيأة حتى الآن لفوز مريح لترامب، لكن الصورة من الداخل تختلف، صحيح أن شعبية ترامب الآن هي الأعلى منذ توليه الرئاسة، ولكنها -رغم ذلك- ما زالت بعيدة عن حسم المعركة، ولا يزال الوقت مبكراً وهناك أكثر من ثمانية شهور قبل موعد الانتخابات قد يجري فيها الكثير داخلياً وخارجياً خاصة مع شخصية مثل ترامب يصعب التنبؤ بقراراتها.
آخر انتفاضات ترامب في هذا الشأن جاءت مع فيروس كورونا، ويبدو أن الرجل يتحسب لاحتمالات أن يكون كورونا عاملاً مهماً في المعركة الانتخابية، حتى الأسبوع الماضي، كان الاهتمام قليلاً من جانب ترامب بقضية كورونا وإن كان قد فرض قيوداً على السفر من الصين، بدت وقتها لأسباب تجارية، لكن الاهتمام تزايد مؤخراً، طلب اعتماداً إضافياً من الكونغرس بأكثر من ملياري دولار لمواجهة الفيروس، وأعلن الاستعداد لطلب ما يلزم من اعتمادات إضافية، ثم بدأ يغرد متفاخراً بأن سياساته هي التي جعلت انتشار كورونا في الولايات المتحدة محدوداً جداً حتى الآن!
لم يكن ذلك تصرفاً عفوياً، بل كان رداً على هجوم بدأ على السياسات الصحية لإدارة ترامب التي تعاملت باستخفاف مع خطر كورونا، كما يقول الديمقراطيون، ولم تتحرك بجدية إلا بعد أن أعلنت «الصحة العالمية» أنه لا يوجد بلد آمن من الوباء، وبعد أن أصبح واضحاً أن الوباء ربما يكون قد بدأ التراجع في الصين، لكنه بدأ مرحلة من التوسع الهائل في الانتشار في كل أنحاء العالم، وبعد أن أصبح واضحاً أن التوصل لعلاج فعال سوف يحتاج شهوراً، ثم.. بعد أن تم اكتشاف حالة كورونا في الولايات المتحدة لا علاقة لها بالصين أو بالدول التي ظهر فيها الفيروس من قبل، وهي الإشارة الأخطر بالنسبة لأمريكا والعالم.
قد يكون دخول ترامب على الخط في المعركة ضد كورونا ناتجاً عن ثقة في أن إمكانيات أمريكا الجبارة قادرة على مواجهة الفيروس إذا اجتاح البلاد.
وقد يكون إثباتاً لحالة الجدية التي تواجه بها الإدارة كل الاحتمالات، لكنه - بالتأكيد يأتي استباقاً لأن يتحول كورونا إلى عنصر حاسم في مسار الانتخابات، إذا تحول لوباء كما يتخوف الكثيرون، وربما يكون التأثير في الانتخابات أكبر إذا كانت المنافسة مع ساندرز لو استطاع حسم المعركة داخل حزبه الديمقراطي.
ترامب منذ وصوله للرئاسة وهو يخوض معركة ضد برنامج التأمين الصحي الذي كان الرئيس الأسبق أوباما قد تبناه، والذي اعتبره ترامب إهداراً للمال العام وضرباً لمصالح الشركات الخاصة للرعاية الصحية، واعداً بنظام صحي أفضل لم يقدمه حتى الآن، ولا شك أن حالة كورونا تضفي أهمية متزايدة على هذه القضية الأساسية بالنسبة للمواطن الأمريكي.. وتجعل من «التأمين الصحي» عاملاً حاسماً في المعركة الانتخابية المقبلة.
يدرك ترامب أن تقدم ساندرز داخل الحزب الديمقراطي يدفع إلى المقدمة قضية التأمين الصحي، ويفهم أن المؤشرات - حتى الآن- تؤكد نجاحاً للديمقراطيين في استعادة ما كانوا فقدوه في الانتخابات الرئاسية السابقة داخل الأقليات، يفهم ترامب جيداً معنى أن يجتاح وباء كورونا أمريكا وهي في قلب الانتخابات، بينما ثلاثة أرباع الأمريكيين بلا تأمين صحي، خاصة إذا كان المنافس يعد - من سنوات - برعاية صحية مجانية، وإذا كان المواطن الأمريكي يسأل: لماذا لا تستطيع الدولة الأعظم أن توفر لمواطنيها ما توفره دول أقل اهتماماً بـ«الأعظم» وأكثر اهتماماً بالمواطن؟!
دخول كورونا عالم الانتخابات الأمريكية، ربما سيكون عامل حسم فيمن يحكم الدولة الأعظم!!