لم ينحنِ أردوغان لقتلاه في سوريا وليبيا، بل خرّ ساجداً لسقوط طائراته المسيّرة البيرقدار TB2، وراح يبكي بحرقة على الأموال الطائلة، التي تُنفق من قوت الشعب التركي لوزارة الدفاع والقوات المسلحة التركية وشركة بايكار التركية لإنتاج هذه الطائرة «المقدسة»، التي راحت تتساقط بشكل يومي تقريباً في ليبيا وشمال سوريا.

وبينما تنشغل وزارة الدفاع التركية، على مدار الساعة، بتصميم وإنتاج الطائرات المسيّرة بدون طيار، لاستخدمها باستهداف الجيشين الوطني الليبي والعربي السوري، بدا أن هذا الإنتاج الإرهابي، الذي لا تراه الأمم المتحدة أو تتجاهله، والذي يكلف الخزينة التركية المليارات من الدولارات، غير قادر على التماسك واختراق الأجواء الليبية وانتهاك وقف إطلاق النار، المتفق عليه، فراح أردوغان يندب حظه الفاشل في الاتجاهين، خسارة الطائرات والفضيحة الدولية.

بالطبع فإن أردوغان يعلم عن العمولات الكبيرة التي يقبضها الجنرال يشار غولر، رئيس الأركان التركي، من شركة بايكار التركية المنتجة للطائرات المسيّرة، ويتقاسمها مع وزير الدفاع خلوصي آكار، وليس من المستبعد أن الرئيس التركي نفسه يحصل على الحصة الأكبر، وإلا فمن أين لعائلة أردوغان أن تعيش في 5 فيلات فخمة في مدينة أُسكُدار، المسجلة بأسماء نجليه بلال، وأحمد أردوغان، إضافة إلى قصره في حي كيسيكلي بمحافظة إسطنبول، والحسابات البنكية السرية في أوروبا التي هدد الرئيس الأمريكي سابقاً بفضحها وكشفها إلى العلن؟!

منذ الأسبوع الماضي، وبعد إعلان الجيش الوطني الليبي إسقاط الطائرة التركية الثانية المسيرة، التي أقلعت من مطار معيتيقة الدولي في طرابلس، وتم نشر فيديو تحطمها، مسجلة سقوط ثالث طائرة تركية مسيرة على أعتاب أجواء إدلب وطرابلس، تعكف وزارة الدفاع التركية، وبشكل مكثف، لإيجاد حلول للمشاكل المستعصية، التي تواجه تصميم الطائرات التركية المسيرة، وقد يكون غضب أردوغان الشديد، من عيوب التصميم، والعيوب البشرية الكثيرة في التنفيذ، وقدرة الجيش الليبي على اصطيادها بكل سهولة، هو الذي دعا وزارة الدفاع التركية إلى إعادة النظر في التصميم والتنفيذ.

سقوط الطائرات التركية المسيّرة، وانفضاح انتهاك تركيا لوقف إطلاق النار في ليبيا، وخسارة المليارات ليست وحدها الأسباب التي تجعل من الرئيس التركي، كما يبدو الآن، في المشهد الدولي، مصاباً بالضياع والصدمة، بل إن المهلة التي حددها للجيش العربي السوري للانسحاب إلى المواقع المحددة حسب اتفاق سوتشي وانتهت في 29 فبراير، وانطلاق تهديداته الفارغة، بعد الهزيمة التي مُني بها في إدلب، ستجعله في حالة وهن وفشل أكبر، حيث لن يتمكن من الرد على التصعيد الروسي، وكذلك بدا فقدانه بشكل كامل للمصداقية أمام شعبه، الذين بدأوا المطالبة بالانسحاب وعودة الجيش وعدم التورط أكثر في وحل سوريا وليبيا.

من غير المرجح أن تتمكن تركيا من الخروج من الأزمة التي أوقعت نفسها بها، يقول آرون شتاين، مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا: «إن أنقرة في مأزق.

عليهم أن يفعلوا شيئاً ما، لكن القيام بشيء يعني التشابك مع خصم أقوى، إنها روسيا التي يمكنها أن تصمم تصعيداً بطرق عدة.

يمكن أن يجعل الحياة تعيسة للقوات التركية في سوريا، إما عن طريق قصف خطوط الإمداد وإما عن طريق مد القتال إلى مناطق تحتلها أنقرة وتديرها على طول الحدود».

بالأمس، نفى الرئيس الروسي أنه سيلتقي أردوغان في الخامس من مارس، وكذلك تم إلغاء القمة المفترضة للزعماء الروس والأتراك والألمان والفرنسيين في إسطنبول، أما الطائرات التركية الفاشلة المسيرة فتتساقط الواحدة تلو الأخرى، بينما يحاصر أردوغان منتفعين لا يجرأون على إخباره بأنه على خطأ، وأنه بات في قاع الوحل السوري والليبي.