لم يكن الكاتب الكولومبي العالمي غابرييل غارسيا ماركيز مؤلف رواية «الحب في زمن الكوليرا» يعرف أنه بعد 35 عاماً سيأتي فيروس باسم «كورونا»، ليضرب عالم القرن الحادي والعشرين.

لم يكن الكاتب الكولومبي يعرف أيضاً أن «الكوليرا» التي كتب عنها روايته ستكون في هذه الأيام مرجعاً تاريخياً للربط والتحليل والتأمل في عالم الوباء، الذي يضرب الكون عبر أزمنة ماضية.

ربما تختلف دوافع الخوف والفزع والقلق لدى بطل رواية ماركيز عن الدوافع التي لدى أبطال كورونا.

قبل أن نشرح حاجة العالم الماسة الآن للنجاة من فيروس كورونا، نعود لاستلهام الأجواء الماركيزية في رواية «الحب في زمن الكوليرا».

أحداث الرواية الأخيرة تدور في سفينة نهرية، حيث يدعو (فلورنتينو اريثا) حبيبته لرحلة نهرية على سفينة تمتلكها شركته فتوافق، وهناك يقترب منها أكثر وتدرك أنها تحبه رغم شعورها بأن عمرها (70 عاماً) لا يصلح للحب، ولكن هذا ما كان يمنع (فلورنتينو اريثا) من الاستمرار بالأمل والسعي لراحتها، فيتخلص من المسافرين الآخرين بخدعة أن السفينة عليها وباء الكوليرا لكيلا تنتهي الرحلة، ويكون الفراق ويثبت أنها خدعة غير موفقة مع الحجر الصحي وتدخل السلطات.

وتنتهي الرواية والسفينة تعبر النهر ذهاباً وجيئة رافعة علم الوباء الأصفر دون أن ترسو إلا للتزود بوقود، فيما تضم عش الحبيبين اللذين لا يباليان بكبر عمرهما ويقرران أنهما الآن في مرحلة أفضل لوصول مرحلة ما وراء الحب.

أما ذلك الخيط الرفيع الذي يربط بين رسائل رواية ماركيز، وبين ما نحتاجه للتعامل مع «الواقع الكوروني» فهو قيمة «الحب»، فالمحبوب الذي أطلق شائعة الوباء لتحقيق حلمه مع الحبيبة، كان صاحب إرادة، وعزيمة، وقرار بالحياة والاستمرار.

نحن الآن شعوب العالم نحتاج إلى الإيمان بقيمة الحب، الحب للحب ذاته، حب الإنسانية، حب الحياة، حب الوجود، حب الانتصار على أية مخاطر وبائية، حب تتحول من خلاله العزلة إلى مزيد من الانفتاح، والخوف إلى جبال من الطمأنينة والتماسك، وليس الشماتة، التي تمارسها الجماعات الإرهابية في حق الشعوب.

نحتاج إلى بث روح الإرادة، والقوة لكي نحول من خلالها الخسائر الناجمة عن هالة الهلع إلى مكاسب ثقافية وسياسية واقتصادية ومجتمعية، حب يقود سفينة العالم إلى بر الأمان، فأبطال الرواية نحو 7 مليارات نسمة، يسكنون العالم، ويتناقلون بشكل لحظي أخبار هذا الفيروس، بل ينتابهم القلق وينتظرون على أحر من الجمر اختفاءه.

هنا أتذكر رواية «اليوم السادس» للكاتبة الفرنسية من أصل مصري أندريه شديد، التي تقدم لنا رسالة ومعنى عميقاً، يؤكد أن الحب بإمكانه أن ينتصر على الأوبئة مهما كان خطرها، بالإرادة نفسها أيضاً جاءت كتابات الأديب العالمي نجيب محفوظ لتحذر من القلق الخوف، بل اعتبر أن الحزن كالوباء يستلزم العزلة.

ليس غريباً أو جديداً مداهمة الأوبئة لشعوب العالم، تختلف تفاصيلها وأبعادها ومساراتها وخسائرها وضحاياها، لو نظرنا إلى هذه الأوبئة في مرآة التاريخ الروائي، نجد أن أقلام الروائيين تعمقت في سرد عوالم الأوبئة بدءاً من رواية اليوم السادس للكاتبة «أندريه شديد»، ورواية «الطاعون» للفرنسي ألبير كامو، ورواية «العمى» لخوسيه ساراماغو، ورواية «قاعة الذئب» لهيلاري مانتيل ووصولاً إلي رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز.

كل رواية كان لها معالجة خاصة للوباء سواء كان من خيال المؤلف، أو عبر استدعاء واقع المجتمعات التي نال منها الوباء، لكن نلاحظ أن معظم هذه الروايات حذرت من الرعب والخوف، ونادت بالثبات والإرادة ونحن إذاً علينا استلهام هذه الروح، ومواجهة فيروس كورونا بالإرادة والحب والحكمة والهدوء، فإذا كان ماركيز أبدع في رواية «الحب في زمن الكوليرا»، فعلينا نحن- شعوب العالم- أن نبدع أيضاً في الانتصار على كورونا بعنوان: «الحب في زمن كورونا».

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي