قد لا يكون جديداً ولا مفاجئاً أن يغير الرئيس الأمريكي موقفه من قضايا أساسية، وأن يجد لديه المبرر الذي يقدمه لذلك حتى ولو لم يقنع أحداً إلا أنصاره.
لكن عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع المنافس الرئيسي لأمريكا وهي الصين، فإن المكالمة الهاتفية بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ، يوم الخميس الماضي قد تكون بدلالاتها والظروف التي تمت فيها نقطة فاصلة في العلاقات بين القوتين الأكبر وفي موازين القوى في عالم يتغير وسط واحدة من أخطر الأزمات، التي مررنا بها في العصر الحديث.
يتصل الرئيسان ترامب وشي جين بينغ وهما على طرفي نقيض، الرئيس الصيني مر بالتجربة الصعبة مع فيروس «كورونا»، ورغم ما وجه إليه من انتقادات بالتستر في البداية على ظهور الوباء في بلاده، إلا أن النجاح الكبير الذي حققته الصين بعد ذلك في معركتها ضد الوباء فاق كل التوقعات. وما تفعله الصين الآن أنها تعمل لاستثمار هذا النجاح لتأكيد تفوقها ولاستعادة مكانتها في الأسواق العالمية بأسرع وقت، ولجعل نجاحها دفعة جديدة في السياق الذي تخوضه نحو المقدمة.
على الجانب الآخر، يبدو الارتباك هو سيد الموقف في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد استخفاف بالتحذيرات من الوباء، وتأكيدات من ترامب بأننا أمام «شوية انفلونزا!!» وستمر سريعاً، فوجئ الجميع بتدهور الموقف، وبينما كانت الصين تعلن انتصارها على الوباء «حتى وإن كان انتصاراً مؤقتاً وجزئياً» كانت أمريكا تبدو وكأنها قد أضاعت الوقت الثمين دون استعداد!.
هكذا رأينا الولايات المتحدة تتحول إلى البؤرة الأخطر للوباء، بينما الرئيس الأمريكي - على سبيل المثال - يرفض تفعيل قانون الدفاع لإجبار بعض المصانع على أن تركز جهودها لإنتاج احتياجات البلاد من المستلزمات الطبية الضرورية باعتبار أن هذا قد يعتبره البعض جنوحاً نحو «اليسار»(!!) أو إقراراً مبكراً بفشل السياسة الصحية المتبعة والتي يهاجمها الديمقراطيون بضراوة ويعتبرون ذلك جزءاً أساسياً من برنامجهم في الانتخابات بعد شهور!.
وفي انتظار معجزة التوصل لعلاج فعال لفيروس «كورونا» استمر الرئيس ترامب في سياسة تحميل المسؤولية للآخرين، وإضاعة الجهد في الهجوم على العدو الخارجي «الصين» والمنافس الداخلي «الديمقراطيين» في وقت يستدعي لم الصفوف وحشد الجهود واتخاذ القرارات الصعبة في ظروف تحتاج لتخطي الحسابات الضيقة للانتخابات، والتعامل مع الأزمة على أنها كارثة عالمية يحتاج الخروج منها إلى تعاون الجميع لإنقاذ البشرية.
لو كان النظام العالمي يعمل بكفاءة، لكانت المكالمة بين ترامب وبينغ قد تمت في اليوم الأول للإعلان عن الوباء في الصين، ولكانت قد تمت في ظروف أشد ملاءمة للطرف الأمريكي، ولكانت النتائج أفضل للجميع، لكن ما حدث أوصل الأمر للحظة انكشاف تتم فيها المكالمة والصين تعرض مساعدتها على الدول المنكوبة، بينما أمريكا التي أصبحت مركز الوباء تطلب المساعدة. والرئيس الأمريكي الذي كان يكيل الاتهامات للصين ويحمّلها مسؤولية «الفيروس الصيني» كما كان يسميه يكتشف عظمة تجربة الصين في مكافحة الوباء وينتظر العون في الأيام الصعبة المقبلة.
وقد يعني هذا أن ترامب قد عرف أن حديثه عن انتهاء المعركة ضد «كورونا» قبل احتفال عيد الفصح في 12 أبريل هو حديث لا يمكن أخذه على محمل الجد، وأن القادم - في الأسابيع المقبلة - أسوأ بكثير. لكن هناك أيضاً عاملاً آخر يتعلق بالجوانب الاقتصادية، فالرجل الذي يقود معركة تجارية ضد الصين وضد الجميع بما فيهم حلفاء أمريكا الأقربون، يدرك الآن أن نصف مصانع بلاده مهددة بالتوقف إذا لم تمدها الصين بأجزاء أساسية في إنتاجها، وأن التعويض من مصادر أخرى في هذه الظروف مستحيل، وأن النتيجة ستكون مأساوية.
هل نحن أمام ظرف طارئ يفرض شروطه، أم أمام تغيير لا شك فيه لموازين القوى العالمية؟! الإجابة صعبة أو مستحيلة في لحظة يمر بها العالم كله بحالة من عدم اليقين، لكن المؤكد أن أمريكا ما زالت تملك كل مقومات التفوق وإن افتقدت القيادة القادرة على التعامل مع الأزمة الكبيرة، وأن الصين تتقدم بخطى ثابتة للمنافسة على المقدمة.
* كاتب صحفي