الظاهرة صحيحة في ظاهرها.. تراجع الإرهاب بعد تفشي فيروس «كورونا» في العالم كله! لكن في العمق فإن الصورة تختلف، والخطر ما زال ماثلاً، والمستقبل قد يحمل ما هو أخطر!لم يتراجع الإرهاب خشية من الله، ولا حباً في أوطان لا يؤمن بها، أو مجتمعات لا يُكن لها إلا الكراهية، وإنما تراجع لأن الظروف أجبرته.. فالدول الراعية له مشغولة بمواجهة «كورونا»، وقيادات عصابات الإرهاب تخشى من «كورونا» بأكثر مما كانت تخشى أن تصطادها الطائرات المسيرة أو الصواريخ التي تطاردها في جحورها!
تراجع النشاط الإرهابي لكن الإرهاب باقٍ. عصاباته في جحورها تنتظر، وأفكاره لا تتوقف عن نشر سمومها، وكراهيته للحياة تجمعه مع «كورونا» في طريق واحد ضد البشرية كلها.
خذ فقط مثالاً من بعض ما فعلته جماعة الإخوان في ظل الأزمة، وما قدمه إعلامها وإعلام القوى الداعمة للجماعة الإرهابية من نشر للأكاذيب وتحريض على الدول العربية التي حاربت إرهابها، خاصة مصر التي لا تنسى الجماعة أنها من كتبت بداية النهاية لها حين أسقطت حكمها الفاشي.
لم يكن غريباً أن يصل الانحطاط لأن نسمع من أحد قيادات الجماعة دعوة لمن يصاب بفيروس «كورونا» أن يسعى لنشره بين أكبر عدد من الناس، خاصة في صفوف رجال الجيش والشرطة، وأن يعتبر ذلك خدمة للدين الحنيف.. كبرت كلمة تخرج من أفواههم الدنسة وقلوبهم المريضة، لا يعرف ديننا إلا الرحمة والتراحم، ولا يحمل للبشرية إلا الخير، ولا يعرف أسمى من الحفاظ على أرواح الناس ودفعهم ليعمروا الأرض بالعلم والعمل والتعاون بين الأمم.
مرة أخرى يؤكد الإرهاب أنه لا دين له ولا وطن، تتوارى عصابات الإرهاب مجبرة، لكن الإرهاب ما زال باقياً ينشر الكراهية في كل أنحاء العالم، ويمارس التعصب والعنصرية في الشرق والغرب. لا تمنعه «كورونا» بل ربما - للأسف الشديد - تمنحه زاداً جديداً للأسوأ الذي ينبغي أن يستعد العالم كله لمواجهته!
حتماً سيتم الانتصار على فيروس «كورونا»، وسيهدي الله العلماء إلى ما ينقذ البشرية من هذا الوباء. لكن الثمن سيكون فادحاً. رغم كل الجهود ستكون الخسائر في الأرواح كبيرة، كما تشير كل التوقعات. وسيعيش العالم بعد ذلك فترة - نرجو ألا تطول - يواجه فيها الآثار الخطيرة للأزمة اقتصادياً واجتماعياً.
سيهزم العالم «كورونا»، لكن سيكون عليه أن يواجه ظروفاً يقدر فيها الخبراء أن نسبة النمو في الاقتصاد العالمي سوف تتراجع بمقدار النصف، وأن حجم الديون سيتزايد بمقدار 20 %، بينما يتراجع الإنتاج ويشهد العالم ركوداً تجارياً كبيراً.
والأهم الذي ينبغي التوقف عنده كثيراً هو نتيجة ذلك على الصعيد الاجتماعي.. حيث تقول التقديرات إن نصف مليار إنسان سيدخلون دائرة الفقر، وأن عشرات الملايين سيواجهون البطالة.. والإجماع بين الخبراء أننا سنكون أمام أزمة أخطر بكثير من كل الأزمات التي واجهها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
مثل هذه الأزمة القاسية تحتاج للتعاون الكامل من دول العالم لكي يتم تجاوزها. وللأسف الشديد فإن الصراع بين القوى الكبرى لا يبشر بخير، والنظام العالمي الذي لم ينجح في هذه الحرب ضد «كورونا» يحتاج لمعجزة لإصلاح نفسه.
قبل الأزمة كنا نتحدث عن عملية انتقال مطلوبة نحو عالم متعدد الأقطاب ونحو اقتصاد أكثر عدالة، كان الحديث عن ذلك يأتي في ظل الخوف من الصدام، الآن يأتي الحديث في ظل هاجس الانهيار. ما حدث في المواجهة مع «كورونا» سيترك آثاره لزمن طويل، ارتباك المشهد في أمريكا وأوروبا شديد الوطأة، والصين- رغم صمودها أمامها تحديات هائلة في الداخل والخارج، والصراع سيمتد طويلاً في غياب رؤية شاملة تتجاوز الأزمة وتؤسس لنظام يقود العالم ويواجه تحديات المستقبل.
وما ينبغي التنبه له جيداً هو أن مثل هذا المناخ هو الأنسب لكي ينمو التطرف ولكي يصب في مصلحة الإرهاب، وإذا لم يتعامل العالم مع الموقف بكل جدية، ولا ينخدع بما نراه على السطح الآن من تراجع لنشاط عصابات الإرهاب والقوى الداعمة لها!
ليس أنسب للإرهاب «بكل فصائله واتجاهاته» من مناخ يتراجع فيه الاقتصاد وتتزايد فيه معدلات البطالة والفقر، وتغيب فيه الحلول.
وليس أنسب للإرهاب من مناخ تتزايد فيه دعوات التعصب والكراهية، وتداري فيه القوى الحاكمة في قوى دولية وإقليمية فشلها بتأجيج الصراعات بدلاً من السعي لتوحيد الجهد وإنهاء الحروب والأزمات في العالم كله.
توقف نشاط الإرهاب أثناء مواجهة العالم لفيروس «كورونا» لكن الإرهاب باقٍ، والمواجهة معه مستمرة وعلى العالم أن يستعد، وأن يتعلم من أخطاء الماضي، قبل أن يطل الإرهاب مرة أخرى بوجهه القبيح.