ليست كل الديمقراطيات المزعومة، شيئاً ثميناً، بالنسبة لشعوب تعتبر أن المشاركة في الانتخابات مسألة ثانوية، أو ليس لها أية أهمية، فيُستخدم المال السياسي والشحن العاطفي للتركيز على الفئات المستفيدة للمشاركة في التصويت، ويظهر فجأة، كما حدث في مصر، في العام 2012، رئيس منتخب واهم مثل محمد مرسي، لم يعرفه السواد الأعظم من الشعب، إلا بعد مضي أكثر من عام على توليه السلطة...!

هذا ما يحدث في دول كثيرة، كتركيا مثلاً، حيث يشير الخبراء المتخصصون، أن الانتخابات التركية في العام 2018، التي كان يجب أن تحدث في العام 2019، لكن أردوغان دفع بتقديمها، لتسريع العمل بالنظام الرئاسي الجديد الذي فرضه على الشعب التركي، وحتى يمنع المعارضة من الوصول إلى جميع فئات الشعب، أدت بلا شك، إلى انتخاب أردوغان، بينما كان السواد الأعظم من الشعب التركي، لا يعلم عن هذا الديكتاتور، أية حقائق.

ويبدو أن بعض الفحوصات الأولية، التي أجريت لأردوغان، كانهيار الليرة التركية ومن ثم انهيار الاقتصاد التركي، وتدخلاته العسكرية الفاشلة، في سوريا وليبيا، وكذلك فشله الذريع في قضية اللاجئين، وفشل مضاعف في الملف التركي للانضمام للاتحاد الأوروبي، لا يعد كله شيئاً يذكر أمام فشله الأعظم، في ضبط جائحة «كورونا»، من التفشي في طول البلاد وعرضها، ليبلغ عدد الإصابات أكثر من 135 ألفاً، وفشله في التقليل من آثارها، وتقديم أية حماية للشعب التركي، الذي بات يئن من هذا الرئيس الخاسر، على كل الجبهات.

لسنا في حرب باردة أو ساخنة مع أردوغان، كما يدّعي، فجميع العقلاء في الوطن العربي، لا يرون في أردوغان سوى «دون كيشوت»، الذي يظن نفسه في مهمة مقدسة، ويكفي قراءة الحقائق التي يؤكدها من عرفوه عن ظهر قلب، لنعرف حقيقته، فبالأمس فقط، يوجه رئيس حزب المستقبل التركي المعارض، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، إلى رجب أردوغان وإلى حزب العدالة والتنمية، صفعة لا مثيل لها، ويؤكد «أن أردوغان وحزبه، قد جعلوا من تركيا (دولة أقزام) عبر إشاعة مناخ الخوف في أوساط الشعب وتحويل السلطة الحاكمة إلى شركة دعاية».

ليس أحمد أوغلو فحسب، من يؤكد أن أردوغان وحزبه، يبحثون في كل موقف أو خطاب داخلي أو خارجي، لإيجاد غطاء لإخفاء الميول الاستبدادية والاستغلالية التي تطحن الشعب، وتسيء إلى علاقات تركيا مع الدول الأخرى، الإقليمية والعالمية، بل يتفق أيضاً معظم قادة الأحزاب في تركيا على ذلك، فقد قال أوزغور أوزال، المتحدث الرسمي باسم حزب الشعب الجمهوري التركي، قاصداً نظام أردوغان: «نهاية نظام القصر اقتربت»، إضافة إلى ذلك، كلنا يعلم عن الحديث القديم المتجدد لقادة وزعماء العالم، حول الرئيس التركي، فمن لم يسمع الرئيس الأمريكي ترامب وهو يصف أردوغان صراحة بـ «الأحمق»؟.

يقول أوغلو أيضاً «إن نظام أردوغان يروّج لمزاعم انقلابية من أجل التستر على فشله إنقاذ البلاد من أزمة اقتصادية خانقة وسياساته الخارجية التي عمقت عزلة أنقرة إقليمياً ودولياً»، ويضيف أحمد أوغلو، «من عجزوا عن إدارة المصائب الكبيرة التي حلّت بالبلاد منذ نهاية فبراير الماضي، ولا يعرفون كيف سيسيطرون على الأضرار والفاتورة الثقيلة خلال الأشهر المقبلة، يحاولون اللجوء إلى طرقٍ ما من أجل التلاعب في الأجندة السياسية، وعلى السلطة أن تواجه مخاوفها أولاً؛ بدلاً من محاولتها تخويف الأمة».

هذه هي الديمقراطيات الهشة التي نتحدث عنها، التي فُرضت قسراً على الشرق الأوسط، وعلى العالم، «دون كيشوت» جديد، يظنّ أردوغان نفسه شيئاً مهماً، وهو في الحقيقة مجرد واهم، فطواحين الهواء العملاقة، السعودية والإمارات، التي يظن نفسه يحاربها، لا تأبه لوجوده، ولا تعيره أي اهتمام.