في آخر حوار أجري مع الكاتبة الروائية الجزائرية الشهيرة أحلام مستغانمي، منذ أيام، استوقفتني بالتأمل عبارة للكاتبة اختارتها إذاعة مونت كارلو الدولية لتكون عنواناً للحوار تقول «لم يعد الإنسان سيد العالم!»، وقد خصصت مقالتي هذه لتناولها بطريقة المختص في علم الاقتصاد المعرفي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
أن نقول بأن «الإنسان لم يعد سيد العالم» هو تجسيد للحال الذي آلت إليه البشرية إذ إن ذكاء البشر كان سبب السيادة واليوم ثمة ذكاء اصطناعي يجعل الروبوتات هي من تتربع على العرش. فهل نتوقع أن تضعنا الروبوتات مستقبلاً داخل حظيرة ونلقى منها بعض العناية كما نفعل تماماً مع الكائنات التي كان لنا السيادة عليها؟
نحن مقبلون على أزمة أتمتة أو أننا بالفعل نعيش ضمن جزء منها ما يعني إقالة الذكاء البشري من منصبه، وإذا كان التعلم يبدأ بالمحاكاة والتقليد ثم الإبداع فهذا ما حدث مع الروبوتات قبل أن تتجاوز الذكاء الإنساني بمراحل، ورغم ذلك فمن الصحيح أن هناك اختلافات ضمنية في تفاصيل التجربة البشرية تميزها عن أي اختراع عبقري يحاكيها حتى لو بدا لنا تجاوز هذه الاختراعات للبشرية مثل اختراع روبوتات الذكاء الاصطناعي إلا أن العنصر الإنساني متمثلاً في المشاعر والأحاسيس يظل مفقوداً في تفاصيلها، أي أن لمسة الخلق الإنسانية غائبة في تفاصيل تلك الروبوتات.
إنه صراع من أجل السلطة، فالمحاكاة في تجربة الذكاء الاصطناعي كانت للجزء البشري الذي كان سبباً في امتلاك البشر لزمام السلطة على هذا الكوكب وعليه فثمة من يريد انتزاع هذه السلطة وأقول انتزاع، فالسلطة لا توهب ولكن تنتزع، ولو كان الأمر تجريداً للعبقرية البشرية في تفاصيل هذه الاختراعات فلماذا لا نجد ثمة اختراعات في جانب العواطف والأحاسيس ومحاكاتها!
والجواب هو أن هذا جزء من العواطف والمشاعر والأحاسيس من الخلق البشري ليس هو من يمتلك زمام السلطة التي استطاع بفضلها الإنسان أن يتسيد على كائنات هذا الكوكب، لذلك لا حاجة لانتزاع السلطة منه ومحاكاته بالاختراعات أو التفكير في التفوق عليه وتجاوزه، فهو جزء مختص بالتعاملات والعلاقات الإنسانية وليس بحكم الكائنات الأخرى والتسيد عليها، ولذلك إن كان ثمة رهان يمكن الوثوق به للتغلب على هذا المصير الذي ينتزع السلطة من البشر وهو الذكاء الاصطناعي فذلك الرهان هو مجال الذكاء العاطفي.
لماذا؟
لأن تجربة الذكاء الاصطناعي ستثبت بعد تسيدها وتمكنها الكلي فشلاً ذريعاً في تسيير شؤون حياة الكائنات وتدبير أمورها لأن الذكاء لوحده بدون أحاسيس وعواطف يشبه الماء بدون أوكسجين ويشبه المصباح بدون زيت، فالأحاسيس والعواطف هي من تشعل المصباح وهي من تمنح تفاصيل الحياة كاملة بلا تشوه ولنا أن نتساءل، هل يمكن للعقل (المسؤول عن التفكير والمعني بالذكاء) أن يعمل بدون القلب (المعني بالأحاسيس والمشاعر والعواطف)، الذي يضخ له الدم محملاً بالأوكسجين والغذاء اللازم لتشغيله؟!
إن الذكاء في التفكير حالة من العناق مع الذكاء في الأحاسيس والعواطف والمشاعر، وعلاقة تكاملية فإن لم يسعفنا العقل بذكائه في تدبير شؤوننا كان القلب بأحاسيسه ومشاعره وعواطفه هو من يرى ما لم يره العقل وذكاؤه.
أخيراً نقول إنه ورغم كل ذلك فإن الذكاء الاصطناعي صنع من أجل خدمة الأفكار العظيمة والأبحاث العلمية العظيمة. والسؤال الذي يطرح نفسه، ما جدوى هذا الاختراع لدى العرب واستخداماته مقتصرة لخدمة البطالة العاطفية والتسكع على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي؟ وللحديث بقية.
*خبيرة الاقتصاد المعرفي