الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها دولة الإمارات مؤخراً تثبت حرص الجهات الرسمية على حماية المواطنين والقاطنين في الفترة المقبلة وخصوصاً في عيد الفطر الذي أتانا هذا العام في ظروف استثنائية بالغة الخطورة. فالجهات المختصة تحاول قدر الإمكان سن مجموعة من القوانين التي تحمي الفرد والمجتمع، ويتبقى بعد ذلك حرص الفرد ووعيه بحماية نفسه ومن حوله.
ومما لا شك فيه أن العالم كله يمر في هذا الوقت بظروف استثنائية تركت آثارها المدمرة على البشر والحجر. فلم يترك الوباء أي بلد أو منطقة من العالم من دون أن يترك عليها آثاراً طويلة الأمد. ولا شك في أننا كبقية مجتمعات العالم نحتاج إلى تكاتف جميع الجهود الرسمية والفردية لإنجاح الخطط والبرامج لتقصي الوباء والحد من تفشيه.
إن مسؤولية دولتنا متعددة وعلينا أن نكون عوناً مع الدولة ولا نعمل لعرقلة مساعيها. فقد أدركت الدولة أن عليها واجبات تجاه مواطنيها وأخرى تجاه المجتمع الدولي كونها عضواً فاعلاً على المسرح العالمي، وهذا الأمر يجعلها تبذل أقصى طاقاتها في الداخل والخارج.
فبينما كانت الإمارات تمد يد العون للطواقم الطبية حول العالم، كانت مدركة أن همها الأول هو وضع الخطط والبرامج للتخفيف من آثار الوباء في الداخل. فبرزت صورة جميلة ومشرفة لدولة الإمارات وهي ترسل وبصورة يومية مساعدات إلى شتى بقاع العالم، وفي نفس الوقت تبذل أقصى طاقتها لتجري الفحوص الاستباقية الطبية لكل القاطنين على أرضها لتقصي آثار الوباء والقضاء عليه.
وعلى الرغم من الضغوط العالية التي تواجهها أي دولة في مرحلتنا هذه إلا أن دولة الإمارات فاقت كل التوقعات، فكان لها عين على الوطن وعين أخرى على العالم الكبير من حولها، فكان عطاؤها من أسخى العطاءات. لقد أبرز الوباء كل القيم الإنسانية التي تعتنقها الدولة والتي تجلت في أبهى صورها، قيم الخير والعطاء والتكافل والتعايش.
زمن كورونا هذا أظهر أجمل ما فينا كما أظهر بعض السلوكات السلبية في القلة منا. الالتزام وحب الوطن والمسؤولية المجتمعية وعمل الخير، هي من القيم الجميلة التي رأيناها تتجلى في أبهى صورها في زمن كورونا. فالتكافل والتراحم والإسراع إلى مد يد العون والعطاء من أجمل القيم التي أثلجت صدورنا ونحن نراها تتجلى في إطعام الفقراء والعمال والأسر المتعففة.
الالتزام بالإجراءات الاحترازية من قبل الغالبية العظمى من المواطنين والقاطنين يعكس وعي الفرد وإحساسه بالمسؤولية المجتمعية تجاه نفسه ومجتمعه. في الوقت نفسه نرى أقلية مستهترة ممن فقدت حس المسؤولية الاجتماعية تخالف الإجراءات الاحترازية وتختلق الفرص والأعذار لكسر القوانين ومخالفة الإجراءات التي وضعتها الدولة لحمايتنا، الأمر الذي ساهم في نقل العدوى وتفشي الوباء بيننا.
ويمكن أن يكون أسوأ ما في الأمر كله أن تلك الأقلية تعمل ضد مصالح الأغلبية وتساهم في التأثير سلباً في جهود الدولة والمجتمع الهادفة إلى التخفيف من آثار الوباء. إن هذه الأقلية ممن فقدت حس المسؤولية الاجتماعية تستحق منا ليس فقط التشهير بل العقاب الرادع نتيجة سوء عملها.
ولا شك في أن هذه الأزمة سوف تنتهي قريباً وسنظل نعمل مع العالم أجمع في مقاومة تأثيراتها، ولكن مقاومتنا سوف تكون أقوى بتكاتف الجهود ووضع الخطط والاستراتيجيات لمرحلة ما بعد الوباء. فكل أملنا أن يكون الوعي هو نبراسنا والمسؤولية المجتمعية هدفنا لبناء مجتمع مستقر آمن.
ما حدث في العالم في الشهور القليلة الماضية قلب كافة الموازين العلمية والاقتصادية والتنموية رأساً على عقب. لقد أظهرت تلك الأزمة أن الصحة هي رأس المال الذي يجب الحرص عليه وتنميته وأن من دون الصحة سوف يتوقف الاقتصاد ولن يستمر المجتمع في دورته الاعتيادية وأن كل الخطط التنموية مصيرها الفشل.
كما بينت الأزمة أن وعي الفرد بواجباته ومسؤولياته الاجتماعية هو خطوة مهمة في طريق إنجاح مساعي الدولة وخططها واستراتيجياتها وأنه من دون ذلك الوعي سوف يكون الأمر صعباً على الدولة لتمرير خططها وإنجاح استراتيجياتها.
إن أزمة كورونا هي أزمة صحية عابرة ولكنها سوف تظل في ذاكرتنا لعقود طويلة قادمة تذكرنا بقيمنا النبيلة وبضرورة التحلي بحس المسؤولية الجماعية. إنها لا شك أزمة أخرجت أجمل ما فينا تماماً كما أخرجت أسوأ ما في البشر من أنانية مفرطة وغياب حس المسؤولية الجماعية. لقد أظهرت الأزمة أنه من القيم المهمة التي يجب أن يتحلى بها الفرد هو حس المسؤولية الاجتماعية لأنه من ضرورات التعايش الإنساني.
* جامعة الإمارات