«لا أستطيع التنفس».. ربما تكون هذه العبارة أكثر عبارة متداولة على امتداد العالم، خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك لأنها وثّقت لحالتين مرفوضتين على المستويات الاجتماعية والقانونية والإنسانية، هما (العنصرية) و(عنف الشرطة).
فاليوم يغلي العالم بأكمله تضامناً مع قضية المواطن الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة تحت ركبة شرطي أبيض في مدينة مينيابولس، بحجة أنه مطلوب للقانون، لكن القضية تفاقمت، لتتحول إلى ثورة اجتماعية بكل معنى الكلمة، للمطالبة بنبذ العنصرية، والحدّ من عنف الشرطة.
ورغم أن الشرطي وزملاءه أُوقِفوا عن العمل وخضعوا للمحاكمة، إلا أن الشارع الأمريكي ما زال غاضباً، بل مشتعلاً، والأمور على ما يبدو تنحو إلى اتجاهات خطيرة، ولا سيما في ظلّ القمع، الذي تمارسه السلطات ضدّ المتظاهرين، واعتقال آلاف الأشخاص على خلفية مقتل فلويد، وكأن هذه الحادثة هي القشة، التي قصمت ظهر الأمريكيين، الذين ضاقوا ذرعاً بعنف الشرطة وبالأحوال الاجتماعية والاقتصادية المتهالكة.
ومن المثير للاستغراب أن يحدث مثل هذا الأمر في الدولة التي تلعب دور الشرطي على بقية دول العالم، وتحمل راية حقوق الإنسان، بل وتمتلك أيضاً تمثال الحرية الذي يمثّل رمزاً قومياً لها!
هكذا تعامل (حُماة حقوق الإنسان) مع شخص مطلوب للقانون، وهو بالتأكيد مجرد رقم في قائمة تطول، لكن الفرق هنا أن الحادثة تم توثيقها عبر الفيديو، رغم أن القانون الأمريكي مثل غيره من القوانين المحترمة، يقدّم للمتهمين حقوقاً واضحة مهما كان الجرم الذي تمّ ارتكابه، فهناك قواعد دقيقة للاعتقال والحجز والتحقيق والمحاكمة، وهذا ما يجب أن يتبعه كلّ منفِّذ للقانون، في أي بلد، وليس في الولايات المتحدة وحدها.
وهنا يحقّ لنا أن نفخر بقطاع الشرطة كاملاً في دولة الإمارات العربية المتحدة، لأننا لم نسمع يوماً عن حوادث مشابهة، بل سمعنا عن تفاني عناصر الشرطة في مهامهم، وسمعنا عن ضابط شرطة يقدّم اعتذاره لأحد المقيمين حين تسبب في حادث سير بينهما، ويُخضع نفسه للإجراءات القانونية بحذافيرها، وعن ضابط آخر يدفع من نقوده الخاصة، ليوصل مسافراً إلى وجهته، وعن ثالث يبدّل إطار سيارة لسيدة مع أطفالها في طقس حار ومزعج. سمعنا بعشرات القصص عن عناصر شرطة يقودون سياراتهم أمام أشخاص ضلّوا وجهاتهم ليوصلوهم إلى مقاصدهم.
سمعنا عن الاحترام والتواضع والالتزام القانوني والأخلاقي في التعامل مع المدنيين من قبل رجال الشرطة. سمعنا عن مساهمة رجال الشرطة وعناصر الدفاع المدني في حماية المدنيين والتعامل مع حرائق كبيرة، والتعامل مع المجرمين والهاربين من القانون، والمشتبهين بقضايا إرهابية، وفق القانون، ودون خروج عن القواعد والإجراءات القانونية، التي تضمن للجميع حقوقهم.
ما يلفت الانتباه في قضية الضحية الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد أن العالم بأكمله تضامن معه، وأن العرب بالدرجة الأولى ثاروا على مواقع التواصل الاجتماعي منددين بالعنصرية، ومطالبين بحقوق الأفارقة الأمريكيين، ومتضامنين مع جورج فلويد، الذي بات أشهر اسم في العالم، وأنا بالتأكيد مع هذا التضامن، ومن البديهي والطبيعي أن نكون جميعاً ضدّ العنصرية بجميع أشكالها، لكن السؤال هنا لجميع الثائرين من أجل فلويد: هل سمع أحدكم باسم إياد الحلاق؟!
إياد هو شاب فلسطيني من أصحاب الهمم، قتلته الشرطة الإسرائيلية منذ أيام، بالتزامن مع حادثة فلويد، بحجة أنه لم يستجب لأوامر الشرطة بالتوقف، وكان يحمل جسماً مشبوهاً، ليتّضح في ما بعد أن الشاب لا يحمل أي سلاح، وليس مطلوباً لأي جرم، وإنما كان ضحية جريمة قتل واضحة من قبل الشرطة الإسرائيلية.
ظلم وعنف هناك، وظلم وعنف هنا، الجاني في الحادثتين هو رجال الشرطة، والضحية في الحادثتين مواطن انتُهِكت حقوقه، لكن شتان ما بين القضيتين على المستويين الإعلامي والاجتماعي!
الإنسان إنسان، مهما كان لونه أو دينه أو إثنيته، له حقوق وعليه واجبات، وهو تحت مظلة القانون، سواء أكان مدنياً أو عسكرياً أو موظفاً مكلّفاً بتطبيق القانون، وهذا ما يجب أن يسود في العالم بأكمله، من أقصاه إلى أقصاه، وهذا ما يجب أن يفهمه عناصر الشرطة في جميع بلدان العالم.
*رئيس مجموعة الدكتور أحمد النصيرات للتميز والابتكار