ما أشبه اليوم بالبارحة، وما أشبه قيادة الإمارات الحكيمة، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وهو يصحح مسار العالم، ويساعد الدول الفقيرة المنكوبة بجائحة «كورونا»، ويوجه الشعوب لتغيير العادات للسيطرة على الأزمة، بجد الرسول، صلى الله عليه وسلم، هاشم بن عبد مناف، حينما واجه أزمة «الاعتفاد» أو (الاعتفار) التي كانت سائدة في الجاهلية، بسبب الفقر والجوع، ويأمر كل غني في قريش، بمد يد العون للفقراء حتى لا يصبح هناك معوز ولا محتاج قط.

قيل لهاشم بن عبد مناف، إن بعضهم، وحين يبلغ به الفقر الشديد، يأخذ أهل بيته إلى مكان يسمى «الخباء» يظلّون فيه حتى يموتوا واحداً تلو الآخر من الجوع، وإن من بني مخزوم من «يعتفد» الآن، أي يستعدون للرحيل إلى «الخباء» ويتجهزون للموت..!

فجاءهم ومنعهم ونادى في قريش، وقال: «إنكم أحدثتم حدثاً تقلون فيه وتكثر العرب، وتذلون وتعز العرب، وأنتم أهل حرم الله جلّ وعزّ، وأشرف ولد آدم، والناس لكم تبع، ويكاد هذا الاعتفاد يأتي عليكم»، ثم جمع كل بني أب على رحلتين: في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام للتجارة، فما ربح الغني قسّمه بينه وبين الفقير، حتى صار فقيرهم كغنيهم، وعلمهم أصول التجارة، بتنظيم الرحلة المعروفة بالشتاء والصيف، وانتهت بحكمته أزمة الاعتفار (الاعتفاد).

وقيل لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، إن الدنيا مقبلة على أيام سوداء، بسبب أزمة «كورونا»، وإن الناس في دول عالمية تشعر بالخطر الشديد، وإن النهاية اقتربت، وإن النقص في المواد الغذائية سيهدد العالم بمجاعة حقيقية، وإن دولاً كثيرة تصرخ من الجوع، فنادى بو خالد في الإماراتيين والمقيمين، وسمع صوته كل من في الكرة الأرضية، وقال:

«لا تشلون هم» وبث روحاً عالية من الطمأنينة، وفتح للناس جميعاً أبواب الأمل والثقة بالمستقبل، ولم يكن ذلك مجرد قول، بل كان قولاً وفعلاً يستند إلى خطة حكيمة واضحة محكمة لإنقاذ البلاد والعباد من آفة هذا الوباء، فتحركت قوافل الإمارات، في كل اتجاه، لمساعدة كثير من الدول، صحياً واقتصادياً ولوجستياً، واستطاع أن يخفف من وطأة الجائحة العالمية التي أرهقت كبرى دول العالم والدول التي تعد من الدول المتقدمة.

المقاربة بين سيدي بو خالد وهاشم بن عبد مناف، في حنكة القائد الفذ بالخروج من المحن والأزمات التي تعصف في البشرية، بالعزم والحزم والاقتدار، هي مقاربة لا تتوقف عند الصفات المشتركة، بل هي تتآلف وتجتمع في الحكمة وبُعد النظر في عمق النظم الاجتماعية والاقتصادية.

فبينما حارب هاشم بن عبد مناف الفقر وآفة الاعتفار، وجّه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، رسالة قوية في نشر ثقافة ترشيد الاستهلاك، والتخلي عن عادة الإسراف، والقضاء على العادات السيئة، وقال: «إذا كانت الزيادة والإكثار لفعل الخير، فنحن ندعمه ونباركه، أما إذا كانت للمباهاة، فهذا غير مقبول، فثقافة المحافظة على مواردنا، بمختلف أنواعها، من مياه ومصادر غذاء، وغيرها، تعدّ جزءاً أساسياً من استراتيجية الأمن الغذائي في الدولة».

وبعد أن أنعم الله تعالى على أهل مكة بهاشم بن عبد مناف، بسنّ رحلتي الشتاء والصيف، وإطعام الحجيج في مكة، في سنوات المجاعة، جحدت قريش وكفرت بتلك النعم، فأنزل الله تعالى فيهم الأمر الإلهي: «فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف». لكن الشيخ محمد بن زايد، الذي تعلم في مدرسة حكيم العرب، المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، أن بـ«الشكر تدوم النعم».

حيث قال طيب الله ثراه، إن هذا الخير الذي ننعم به هو ليس لنا وحدنا بل للإنسانية أجمع ولدعم المحتاجين وقت الشدائد، فوقف داعماً للدول المحتاجة والمتضررة، ها هو قائدنا الفذ يمشي على خطى الوالد المؤسس ويستلهم من كتاب الله عز وجل «وأما بنعمة ربك فحدث» ومن قصة قريش، لمد يد العون لكل مستغيث ولكل محتاج ولكل من فقد الأمل، شاكراً لله على نعمة الخير متشاركاً بها مع المحتاجين في كافة أنحاء العالم بدون استثناء لدين أو عرق.

* لواء ركن طيار متقاعد