حين يكون المستقبل رهان الحكمة والتدبر والبصيرة، وحين تكون الحكمة معيار السياسة في رهاناتها المختلفة، تصبح الحكومات مختبراً لفلسفة المستقبل، ويصبح المستقبل قبض الحاضر، ومفردة من مفرداته التي ترتهن إلى الاستشراف والرؤية الواضحة والتخطيط الاستراتيجي.
على هذه الخلفية الفلسفية بفهم المستقبل يمكن أن نقرأ الهيكلية الجديدة لحكومة الإمارات. وباستقراء هذه الهيكلية وخياراتها المختلفة يمكن أن نتوقف عند رهاناتها المحورية التي تحدد الفعل المستقبلي الاستشرافي لتوجّه الحكومة، في مرحلة ما بعد «كوفيد 19»، آخذة برؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وتوجيهاته بالعمل على صياغة «استراتيجية دولة الإمارات لما بعد كوفيد 19»، ويمكن أن نحدد رهانات الحكومة في هيكليتها الجديدة بالتالي:
الرهان الاقتصادي
يأتي الرهان الاقتصادي في مقدمة الأجندة الحكومية الجديدة لدولة الإمارات كأولوية استراتيجية مطلقة، وهذا ما انجلى واضحاً في تعيين 3 وزراء ضمن وزارة الاقتصاد.. إضافة إلى استحداث منصب وزير دولة للاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي وتطبيقات العمل عن بعد.. وإنشاء وزارة للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة تعمل على تطوير القطاع الصناعي بالدولة.. ما يجعل القطاع الاقتصادي الرهان الأقوى، في مواجهة تحديات المستقبل، سواء على المستوى الداخلي بقطاعاته المختلفة ومشاريعه التجارية والصناعية والتكنولوجية، أو على مستوى التجارة الخارجية، عبر التبادل التجاري بين الإمارات ودول العالم، سعياً من القيادة الرشيدة بأن تكون الإمارات أنموذجاً معيارياً عالمياً في تجاوز الأزمة الاقتصادية وأزمة «كوفيد 19» ومواجهة كافة التحديات.
الرهان المعرفي
ويتمثل في النهج المعرفي الذي انتهجته الإمارات في جعل المعرفة هي الأساس في كل القطاعات التنموية، ما يجعل الرؤية التنموية أكثر ثباتا وأكثر ديمومة واستمرارية، «وصولاً لأفضل نموذج حكومي يواكب العصر الجديد.. ويحقق تطلعات شعب الإمارات خلال المرحلة القادمة..»، وهذا ما تؤسس عليه الحكومة الجديدة جميع رهاناتها وخياراتها، لأن النهج المعرفي هو ثابت من ثوابت الدولة، وثابت من ثوابت الرؤية الإستراتيجية، والتنمية المستدامة.
الرهان الرقمي
يأتي الرهان الرقمي متكاملاً مع الرهانات السابقة وخاصة الرهان المعرفي، والهدف منه كما بين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، هو نافذة رقمية واحدة للحكومة.. وتحول رقمي شامل وكامل.. لأن «الحكومة الرقمية هي خيار استراتيجي لا غنى عنه.. وأمن اقتصادي لاستمرارية الأعمال في أية ظروف..»، وتأكيداً على هذا الرهان ستعمل الحكومة على تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمل، بشكل أوسع من خلال إلغاء 50 % من مراكز الخدمة فيها، وتحويلها إلى رقمية، إضافة إلى تطبيق أنظمة العمل عن بُعد، ما يسهم بشكل كبير وفعال في تغيير شكل العمل المستقبلي للحكومة، وبالتالي الدفع برهاناتها المستقبلية إلى تحقيق الأهداف والغايات المطلوبة منها.
الرهان الأمني
يتمثل هذا الرهان بمحورين: الأول: محور الأمن السيبراني في حكومة الإمارات.. انطلاقاً من أن «أمن الحكومة الرقمية هو جزء أساسي من أمننا الوطني الشامل.. وحماية حدودنا الوطنية الرقمية جزء لا يتجزأ من حماية كامل ترابنا الوطني..» كما بين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، وبالتالي يأتي هذا الرهان استجابة للرهان الرقمي، ما يعزز العلاقات التشاركية بين الإمارات ودول العالم، عبر الخيار الرقمي. ولأنه خيار المستقبل، لا بد من تأمين رهاناته، لأنه في ظل التحولات السريعة والانفتاح الكبير في الخيار الرقمي، تتهدده الكثير من المخاطر، وبالتالي يصبح الرهان الأمني حاجة في الحاضر وضرورة في المستقبل.
والثاني: محور الأمن الغذائي، الذي كما بيّن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، سيبقى الأمن الغذائي أولوية عبر وزيرين.. وزير دولة للأمن الغذائي والمائي لمتابعة مخزوننا الغذائي الوطني والاستثمار في تكنولوجيا الغذاء والعلاقات الدولية في هذا المجال.. ووزير البيئة في دعم المزارعين ورعاية وتطوير ثرواتنا السمكية والحيوانية.. وبالتالي إن الرهان الأمني يرتهن إلى حماية أمن الوطن ومكتسباته، وحماية الأمن الغذائي للمواطن في الحاضر والمستقبل.
الرهان الإعلامي
الرهان الإعلامي هو الرهان على الرسالة الإعلامية التي لا تكتمل إلا بصدق خطابه.. ونزاهة غاياته.. وترفّعه عن الأهواء.. وانحيازه لصالح الناس، كما بين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وبالتالي يصبح الرهان الإعلامي من الرهانات التي تتمفصل مع الرهانات الاستراتيجية للحكومة الجديدة، وعلى هذا كان إنشاء المكتب الإعلامي لحكومة دولة الإمارات، وضم مكتب الدبلوماسية العامة ومكتب الاتصال الحكومي ومكتب الهوية الإعلامية له، حيث يشرف على التواصل الإعلامي الداخلي والخارجي لحكومة دولة الإمارات.. ما يؤكد أهمية الإعلام في تأكيد فاعليتنا على منصة المستقبل الإنساني، استجابة للرؤية للاستراتيجية التي ينهض على أساسها إعلامنا الوطني.
ويتكامل الرهان الثقافي مع الرهان الإعلامي، عبر دمج المجلس الوطني للإعلام والمؤسسة الاتحادية للشباب مع وزارة الثقافة لتكون وزارة الثقافة والشباب.. وذلك بالتأكيد على رهان آخر وهو الشباب، بأن يكون هناك وزير دولة للشباب، ووزير للثقافة والشباب، ما يجعل رهانات الحكومة تنطلق من رؤية تتكامل فيها الخيارات، والمنطلقات والأهداف، لأنها تتأسس على رؤية واضحة للمستقبل. وبالتالي إن الحكومة الجديدة برهاناتها المختلفة هي حكومة التحدي.. تحدي الوقت والمستحيل والمستقبل.