خلال أسبوع واحد فقط، وبسبب التضارب في التقارير التي توضع على طاولة الرئيس التركي، وبسبب مزاجه الحاد المتقلب، وغياب استراتيجية واضحة في العلاقات الدولية عموماً ومع دول الجوار على وجه التحديد، قرر رئيس تركيا مرات عدة، ثم تراجع مثلها، خوض حرب مع أوروبا، التي باتت ترى أن تركيا تتمدد وتتوسع وأن ذلك يشكل عاملاً مزعزعاً لاستقرار أوروبا.

لا شك في أن الأوروبيين يعلمون أن تركيا ليست قادرة على مواجهة عسكرية شرسة مع المقاتلات الأوروبية مثل يورفايتر تايفون والرافال الفرنسية والتجهيز العسكري المتفوق لدول أوروبا، وكذلك يقرأ الأوروبيون في كتبهم حجم التردد التركي في خوض المعارك الخاسرة، كما حدث في الحرب العالمية الثانية، حين بقيت تركيا طيلة 5 سنوات تلتزم الحياد المرعوب، فتقفز تارة إلى ساحات الحلفاء وتعبث سراً مع دول المحور، إلى أن تأكدت من هزيمة هتلر، فأكدت قبل خمسة أسابيع فقط، من نهاية الحرب، انضمامها لدول الحلفاء، لتجني ثمار المنتصرين.

التقارير الاستخبارية المؤكدة للمجموعة الأوروبية، التي تتصدى لمحاولة أردوغان «التوسع والتمدد» نحو المتوسط، لنهب خيراته من النفط والغاز، ترسل سطراً واحداً مفاده أن تركيا ليس لديها الآن أصدقاء، ولن تحارب أمريكا إلى جانبها، وكذلك روسيا والصين وإيران، بل على العكس، يرون أن المغامرات التركية الأخيرة، في سوريا وليبيا، قد أنهكت الجيش التركي، واستنفدت إمكاناته، من غير طائل، وأن العجوز المتهالك، لن يتمكن من الصمود وحده، على عصاه المهترئة، ليلة واحدة.

مما لا شك فيه، أن الأوروبيين يدرسون «تصفيق» حزب العدالة والتنمية لخطب أردوغان الشعبوية، ويعلمون أن ذلك التصفيق، الذي يحاول تلميع أردوغان فحسب، في عيون الشعب التركي، لمحاولة إنقاذه من السقوط المروع، والفشل الذريع، لن يتمكن من إنقاذ تركيا، لو قررت فعلاً إعلان الحرب على أوروبا، حيث عجز عن مواجهة الأكراد وعن مواجهة الجيش السوري المتحالف مع الجيش الروسي، وعجز أيضاً عن مواجهة الجيش الوطني الليبي المتحالف مع الجيش المصري، حين أعلن الرئيس المصري أن «سرت والجفرة خط أحمر»، فعاد أردوغان يغازل ويتراجع، إلى الخطوط الخضراء.

يرى الأوروبيون أردوغان، كأنه «صدام حسين العثماني»، كثير من الخطب والتعبئة العاطفية والتهديد الفارغ، ولكن على أرض الواقع، وكما تقول العرب «جعجعة من غير طحن».

ولكنهم أيضاً يدركون، أن الرئيس التركي لديه نزعات غير محسوبة العواقب، من وجهة نظره ووجهة نظر مستشاريه، قد تؤدي به إلى إضافة مغامرة صغيرة، ترفع حدة التوتر والتصعيد، إلى أعلى مستوى، حيث لا ينفع وقتها المراقبة والحذر، ويدفع الشعب التركي، ثمناً كبيراً لأخطاء من وصفه الرئيس الأمريكي قبل عدة شهور، بأنه مجرد «أحمق».

العقلاء في أوروبا يعلمون الحقيقة، ويعلمون أن تركيا ليست كفؤة للدخول في مواجهة أوروبا، ويعلمون عن أردوغان أنه يستخدم أسلحة الابتزاز بموضوع اللاجئين، والتهديد الأجوف لحرب فاصلة، ولكنهم ما زالوا يستخدمون لغة التعقل والدبلوماسية والحوار، لثني أردوغان عن «شطحاته» و«مغامراته». ولكنه يظن، وحسب ما يقرأه المحللون من مقالات وبيانات تصدر عن تركيا، أن لغة الحوار هي لغة الضعيف، وأنه أقوى منهم، وأنه يستطيع طحنهم بضربة واحدة!

لن تتجرأ تركيا على أن تخوض حرباً ضد أوروبا، فسيرة الأتراك تحكي قصة تجنيهم على المجموعات والدول الضعيفة المنهكة فقط، وأنه لمجرد أن أعلن الأسطول الروسي، في مارس 2020، أنه سيرسل سفينتين مزوّدتين صواريخ من طراز كاليبر، هرب الجيش التركي وأجبر على التراجع إلى خلف طريق «إم-5» السريع بين دمشق وحلب، فكيف برافال الفرنسية تحلق فوق أنقرة وإسطنبول؟!