إذا تتبعنا «عقدة الغاز والنفط» التركية، فليس من المستحيل فهم العقلية الأردوغانية المتخبّطة، فمنذ تولّى منصب رئيس الوزراء في تركيا، في العام 2003، بدأ يتنامى في عقله غيرة شديدة لا توصف من النفط الخليجي، تحولت مع الصدمات التي تلقاها الاقتصاد التركي، بعد تولّي أردوغان رئاسة تركيا، إلى صراع نفسي حاد، أجبره على تعيين مستشارين وشركات يبحثون له عن أي نقطة غاز أو نفط في تركيا ومحيطها وحتى في البحار وما ورائها.
يمكننا ببساطة تحليل التصريحات الشعبوية للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان حول الغاز التركي، على مدى عامين متتاليين بإعلان أن تركيا قد اكتشفت في البحر الأسود أكبر حقل غاز طبيعي وبمخزون يُقدّر بـ 320 مليار متر مكعّب، لنكتشف أن الشعب التركي قد صدّق، وبسبب تكرار الإعلان، وتشتيت الأرقام، أن أردوغان قد اكتشف حقلين بمخزون يصل إلى 730 مليار متر مكعب، وليس حقلاً واحداً في البحر الأسود، بل وصدّق ما لا يمكن تصديقه علمياً، إنه سيتم إنتاج هذا الغاز في العام 2023، وتصبح تركيا من الدول المصدّرة للغاز، بينما تؤكد التحليلات الاقتصادية، أن الغاز التركي المزعوم في البحر الأسود قد يستغرق من 7 إلى 10 سنوات، وسيحتاج إلى استثمارات بعدة مليارات من الدولارات البنية التحتية اللازمة للإنتاج والإمدادات، والتي ليست متوفرة حالياً..!
عقدة الغاز والنفط التركية، لم تتوقف عند البحث عنهما في تركيا وما حولها، بل تطورت بشكل متسارع لإيجاد السبل المتاحة وغير المتاحة لمرور النفط الروسي والقطري والإسرائيلي عبر أنابيب النفط التركية إلى أوروبا، وعندما اندلعت الفوضى في سوريا، كان الهدف غير المعلن لاستمرار الفوضى والثورة هو احتلال سوريا وتغيير نظامها لتنفيذ مشروع مدّ الغاز القطري الإيراني من حقل جنوب فارس عبر الأردن وسوريا، والذي رفضه الروس رفضاً قاطعاً، فلم يجد الرئيس التركي بُدّاً من ضرب عصفورين بحجر واحد منها احتلال سوريا ومطاردة الأكراد، والاستيلاء على حقول النفط في الشمال السوري.
العاملون والمتخصصون في مجال النفط والغاز، في أرجاء العالم، يعلمون علم اليقين أن تركيا فقيرة بالغاز مقارنة مع حجم استهلاكها، فهي تستهلك حوالي 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، فتضطر تحت عاملي الضغط السياسي والاقتصادي، استيراد الغاز من وروسيا وإيران وأذربيجان عبر الأنابيب وكذلك من قطر والولايات المتحدة الغاز المسال بقيمة تبلغ أكثر من 11 مليار يورو سنوياً. وهذان العاملان، يسلبان من تركيا قدرتها على المناورة السياسية، خصوصاً مع روسيا وإيران، بل ويكبلان اقتصادها بأحمال ثقيلة، يصعب حملها والمضي بها.
تتعاظم العقدة الأردوغانية، في الغاز والنفط، لتبلغ الجنون الذي أدى بتركيا محاولة احتلال ليبيا، بحجة أحلام الإمبراطورية العثمانية البائدة، بل ودفعت تلك العقد بتحول أردوغان شخصياً إلى تاجر صغير بالمرتزقة الإرهابيين، بتصنيعهم في سوريا ونقلهم إلى ليبيا والآن إلى مقاتلة أرمينيا، ومن يعلم أين سيقوم بالمتاجرة بهم لاحقاً، بعد أن أصبح وليهم وخليفتهم إلى الأبد.
لم تتوقف عقدة تركيا، أو مصيبتها الكبرى، في الغاز والنفط، عند مطاردة أحلام أردوغان المستحيلة في احتلال سوريا وليبيا، بل ذهب للبحث عن الغاز في البحر المتوسط، وتسبب في تصعيد سياسي عسكري غير مسبوق، بين تركيا وأوروبا، ستمتد آثاره، لو خبا حالياً، إلى سنوات طويلة، حيث انكشف للأوروبيين، ذلك القناع الذي تجمّل به أردوغان، منذ توليه الرئاسة التركية، وذهب أيضاً، يحمل مرتزقته، لمساندة الأذربيجانيين، في حربهم على أرمينيا، آملاً في وضع يده على المناطق المتنازع عليها، والغنية بالنفط والغاز.
* كاتبة وإعلامية