تستعد دولة الإمارات العربية المتحدة للاحتفال باليوم الوطني التاسع والأربعين، في الثاني من ديسمبر المقبل. إنها دولة الاتحاد التي أرسى قواعدها آباؤنا المؤسسون؛ الذين حولوا الصحراء إلى معجزة يشار إليها بالبنان.
ففي صحراء جرداء وفي ندرة الماء، لم يكن ممكناً الحصول على ماء الشرب، ناهيك عن الماء اللازم لإنتاج الحد الأدنى من الغلال والمحاصيل الزراعية، ومن ثم كان خيار أجدادنا الوحيد امتهان حرفة الصيد البحري من أجل التقاط ما يجود به البحر، فصار ركوبه لأيام وشهور، حرفة طورها الأجداد، ومن خلالها درسوا حركات النجوم والكواكب لتتيسر لهم سبل الاهتداء إلى مواقع "مزارع اللؤلؤ".
وفي ذلك الزمن الصعب، كانت رحلات الصيد تستغرق وقتاً طويلاً. ومع غياب الرجال، كانت النساء تتولى القيام بمهام تربية الأبناء وتدبير شؤون حياة كافة أفراد الأسرة.
وبمرور الوقت اكتسبت المرأة مهارات عديدة، وأنشأت الأبناء على القيم والعادات والتقاليد الأصيلة لمجتمعنا. وما زال بعض «كبار المواطنين» يذكرون دور الأمهات في تنشئتهم وتربيتهم، واللاتي غرسن في نفوسهم قيم البذل والعطاء والكرم والتضحية، كما عززن فيهم مضامين مقاصد التربية الإسلامية التي تحض على فعل الخير وصِلَة الأرحام.
وبذلك استطاع الإنسان الإماراتي أن يصل إلى مرافئ بلاد الهند والصين، ليتبادل السلع ويطور من العمليات التجارية، ما مكنه من بناء الموانئ من أجل التجارة وبالتالي التواصل مع الحضارات والشعوب الأخرى.
إن عمق المدى الثقافي والتاريخي لمجتمعنا، أسهم بفاعلية في إيقاد شعلة الحضارة الإسلامية، وتثبيت أركان الثقافة العربية، وتشهد على ذلك كتابات «المقدسي» في القرن العاشر و«الإدريسي» في القرن الخامس عشر، عن جزيرة حليلة و«الكوش»، وهي منطقة أثرية في «جلفار»، على نحو ما ورد في كتابات عالمة الآثار البريطانية العتيدة «بياتريس دي كاردي».
ونحن إذ نشير إلى صورة الماضي التي عرضناها، ونحن في حضرة عيدنا الوطني، فإنما نستعرضها باعتبارها لوحة بانورامية تجسد ماضينا العريق بجميع تجلياته. ولكنّ للوحة مشهداً آخر يتجلى في إنجازات بنتها دولة الإمارات، لتبقى شاهدة على جدلية انتقال مجتمعنا من ثقافة الصحراء إلى الحضارة والتقدم والصعود إلى الفضاء، والصدارة العالمية على مستويات عدة.
لقد حصلت دولة الإمارات على شهادة عدم الممانعة، ورخصة البناء من الهيئة الاتحادية للرقابة النووية، لتشييد محطتين نوويتين. وبموجب ذلك تم إنشاء مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، لتعمل على تنفيذ مشروع توفير طاقة نووية آمنة وفعالة وصديقة للبيئة، يمكن الاعتماد عليها في تمكين حراك التنمية المستدامة، والانتقال بمجتمع الإمارات إلى مرحلة حضارية جديدة، تختلف من حيث الشكل والمضمون عن إنجازات حضارة «أم النار» و«جميرا» و«جبل حفيت».
ولم يكن للإمارات أن تحصل على موافقة هيئة الرقابة النووية الدولية، لولا سمعة دولتنا وصورتها المشرفة في المحافل الدولية، وما تحظى به من تقدير من قبل المجتمع الدولي.
لقد استطاعت «دولة الاتحاد» أن تنافس العديد من دول العالم في مجالات عدة، وأن ترسخ مكانتها العالمية بين الدول المتقدمة في ريادة الفضاء، بنجاحها في إطلاق أول قمر صناعي إماراتي «خليفة سات» الذي تم إنجازه بأيدٍ إماراتية 100%، وإرسال «مسبار الأمل» إلى المريخ، ما يثبت جدارة وكفاءة أبناء زايد و«دولة الاتحاد»، وقدرتهم وهمتهم التي يسابقون بها العالم؛ وهو ما غرسه الوالد الباني المؤسس منذ عشرات السنين، والذي هيأ السبل الكفيلة لتحقيق مثل هذا الإنجاز العظيم، الذي يُعد قفزة نوعية، وقاعدة لتوطين صناعات الفضاء.
كما استطاعت «دولة الاتحاد» إرسال أول رائد فضاء عربي من أبنائها إلى محطة الفضاء الدولية، والذي بدون أدنى شك، يعد إنجازاً تفتخر به أجيال الحاضر والمستقبل في بلادنا ووطننا العربي؛ الشيء الذي بدوره يعد إضافة تاريخية حضارية متقدمة لإنجازات دولة الاتحاد التي وضع حجر أساسها، المغفور لهما بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأخوه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، وبمباركة وموافقة إخوانهم حكام الإمارات التي تكونت منها دولة الاتحاد قبل 49 عاماً. وبهذه المناسبة العطرة نقول: كل عام والجميع بصحة وسعادة وسلام وأمان.
* كاتبة إماراتية