نحن لا نلجأ عادةً إلى أن نعيد الضبط، إلا عندما تخذلنا الأشياء التي تمسكنا بها ثم أولتنا ظهرها، فيكون إعادة الضبط، هنا، حلاً بديلاً لانهيارنا، أو عندما نجد بدائل أفضل لما بين أيدينا.
إعادة الضبط The Grate Reset تعني المواكبة والتكيّف والتأقلم مع المعطيات الجديدة، وإعادة صياغة العالم لأدواته وتحديث وإعادة تأهيل مهارات الأفراد، بما يتوافق مع الشكل الجديد لمنظومة الأعمال كافة.
وقد يقال كان من المفترض أن نطوِّع التكنولوجيا في خدمة ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، لكن ما يحدث الآن، بسبب إجباري فرضته جائحة «كورونا»، وبتحوّلات بطيئة سبقتها أيضاً هي تحولات عصر المعرفة، هو أننا نسير في اتجاه تطويع كل شيء من أجل التواؤم مع التكنولوجيا، تماماً كما فعل النفط ذات يوم عندما صب الحضارة الإنسانية في قالبه وفرض عليها التأقلم مع معطياته.
لقد فرضت مظاهر التكنولوجيا إعادة الضبط لكل شيء، والذي يفرض التأقلم والاستيعاب للآليات الجديدة التي انتهت إليها منظومة الأعمال، وإعادة تشكيل وصياغة لهوية المهن والوظائف، وبعد أزمة «كورونا» زادت عملية التسويغ لمفاهيم جاءت بها مظاهر التكنولوجيا، لكن بدون أن يكون لها استيعاب في المجتمعات في بداية الأمر أو استساغة، ومن ذلك نمط العمل عن بُعد والتعليم عن بُعد.
بدأت الحاجة الملحة لإعادة الضبط بالتزامن مع بدايات أزمة «كورونا»، وأعتبرها أزمة لإنتاج التحوّل وتسريع عملية إعادة الضبط أكثر من كونها أزمة وباء، إذ ذلك فقد الكثير من الناس أعمالهم ووظائفهم وأموالهم المستثمرة في محافظ الأسهم، والتي أمضوا وقتاً طويلاً من حياتهم لتحقيق الحصول عليها أملاً في حياة مستقرة اقتصادياً تؤمن مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، وبدأ الذعر يسود العالم، ثم رويداً رويداً، بدأت الغيوم السوداء تتلاشى، وحدث ذلك عندما بدأ التفعيل لآليات النظام المعرفي العملية التي وفّرتها مظاهره وأدواته وأخذ الكثير من الناس يتكيّفون مع التفعيل ويمارسون أعمالهم القديمة بمظهر جديد مواكبين للتحولات التي فرضها التفعيل لمنظومة النظام المعرفي العالمي، وإعادة الضبط وفقاً لآلياته وهي آليات ليست وليدة أو فرضتها جائحة «كورونا»، بل هي موجودة من قبل ولكن أزمة «كورونا» أظهرتها على السطح وفرضت تفعيلها، وهنا سيكون الاختبار الحقيقي لجميع قطاعات الأعمال والمؤسسات في العالم، حيث سيكون لزاماً عليها إعادة الضبط لما بين أيديها كخيار يؤمنها من الانهيار، وسيكون الأكثر قدرة على التأقلم مع الآليات الجديدة في قطاعات الأعمال والمهن والوظائف، هو الأجدر بالبقاء ومن لا يستطيع إعادة الضبط والتأقلم، سيتم تصديره إلى خارج هذا المربع، الذي فرض إعادة الضبط على العالم للتأقلم وفقاً لمعطياته.
أصبحت المنافسة الاقتصادية وفقاً لفرضيات إعادة الضبط تعني أن أحدهم قادر عن طريق تطبيقات التكنولوجيا شراء سلعة من أي مكان في العالم، وبلا حدود تقيده أو مسافات تمنعه، كما تعني أيضاً أن بمقدور بائع وراء الشاشات في الصين، أن ينافس بائعاً تقليدياً في متجر محلي في أي دولة في العالم.
هذه التحوّلات وفرضيات إعادة الضبط تفرض وجود تغييرات جذرية في كافة القطاعات، ومن ذلك الطب الذي تغيرت كل موازين القوى فيه، فصار الحصول على دواء باستخدام الذكاء الاصطناعي أسهل بكثير وكذلك البحث عن تطعيم ضد أي مرض، إذ تأخذ من خمس إلى عشر سنوات لمعرفة آثارها الجانبية، وها نحن نرى لقاحاً تم تصنيعه في أقل من سنة.
إن المواكبة والتكيّف والتأقلم وفقاً لمعطيات عملية إعادة الضبط، التي صار العالم إليها في قطاعات الأعمال والمهن والوظائف تفرض على العالم إعادة الصياغة لأدواته، من خلال عملية تحديث وإعادة تأهيل لمهارات الأفراد كلاً بما يتوافق مع الشكل الجديد، الذي تم إعادة الضبط وفقاً لمعطياته وهي آليات ومعطيات التحول الجديد.
الحياة ستمضي بمن يملك قوة الإرادة وبمن لا يملكها، لكن من سيتم حجز المقاعد المتقدمة في المستقبل، لأولئك القادرين دائماً على إعادة الضبط، للأقوى رغبة والأكثر قدرة على التأقلم والتكيّف مع المعطيات الجديدة للحياة.
أخيراً يمكن التساؤل: هل نعتبر أن الواقع بجميع معطياته قد خذلنا في جائحة «كورونا» فاضطررنا إلى إعادة الضبط للتأقلم مع بدائل أكثر جدوى. وللحديث بقية..