يوم الخميس، السابع من يناير الحالي جاء في مقياس «بلومبيرغ» الخاص بالأغنياء في العالم أن إيلون ماسك صاحب شركة «تسلا» للسيارات أصبح أغنى رجل في العالم بثروة قدرها 188 مليار دولار متفوقاً في ذلك على منافسه جيف بيزوس صاحب شركة «أمازون» الذي لديه 184 مليار دولار.
قبل يوم واحد فقط أي يوم الأربعاء ٦ يناير الحالي كان ماسك لا يزال واقفاً خلف منافسه بثلاثة مليارات كاملة. ما الذي حدث حتى يقفز الرجل بثروته بسبعة مليارات دولار في يوم واحد؟ والأهم كيف نحسب مدى ثروة شخص ما؟
والأهم أكثر، ما أهمية ذلك على أية حال، وما الذي يدل عليه في الحياة الإنسانية؟ المسألة ليست خاصة بالإثارة، أو الحسد، أو حتى لإظهار سوء توزيع الثروة أو الحظ في العالم؛ وإنما هي إشارات على توجهات في الاقتصاد والتكنولوجيا العالمية.
ما يلفت النظر في كل ذلك أن أنباء الأغنى في العالم تأتي بينما جائحة «كورونا» لا تزال ماثلة، وآلامها الصحية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية لا تزال قائمة كذلك. البداية هي حساب الغنى يبدأ من الأسواق المالية العالمية، وطالما أن أغنياء العالم لديهم شركات، وأنهم شخصياً لديهم نسبة من أسهم هذه الشركات، فإن حساب الثروة لا يكون بحساباته البنكية، أو العقارات التي يملكها، أو المقتنيات مثل الطائرات أو اليخوت التي يستعملها، وإنما يكون من خلال سعر السهم الخاص بشركته.
ما حدث خلال البلاء أن الشركات الرقمية أو الإلكترونية – آبل وأمازون ومايكروسوفت وألفا المعروفة بـ«غوغل» – قد باتت نجوم الاقتصاد العالمي لدورها في الاتصالات والمعرفة ونقل البضائع والاحتياجات الأساسية لمواجهة الكارثة، وفي مقدمتها الدواء واللقاح والتعليم عن بُعد والاتصالات بجميع أنواعها.
لم تعد شركات بوينغ أو جنرال موتورز وتويوتا وإكسون موبيل ورايثون المنتجة للسلاح هي التي تقف في مقدمة الشركات العالمية وهي المهتمة بالآلات أو الثروات الطبيعية؛ وإنما الشركات الرقمية أو الأخرى المتقدمة كثيراً في التكنولوجيا بكل أشكالها.
هنا تحديداً تأتي «تسلا» لمديرها التنفيذي ماسك ومحركها الأساسي وصاحب أعلى رقم من أسهمها، والتي أتت إلى السوق العالمية بالسيارة الكهربائية التي بعد تعثر أصبحت متفوقة على جميع السيارات الكهربائية التي تعرفها الشركات الأخرى لأنها متقدمة تكنولوجياً للغاية، فهي في الحقيقة لم تعد تحتاج إلى سائق. والأهم أن تكنولوجياتها يمكن استخدامها في القطارات والطائرات والمركبات الفضائية أيضاً.
الشركة لم تعد لها علاقة مع كوكب الأرض وحده، وإنما ولدت تكنولوجيات تضع الأساس لما يسمى بالإنترنت العالمي عندما تكون شبكة فضائية من الأقمار الصناعية تجعل من الشبكات الحالية عالية التكلفة وكثيرة الأعطال، جزءاً من الماضي التعيس الذي تتعثر مكالماته من وقت لآخر، والذي تتحدد قوة اتصالاته بشبكات محدودة مثل 3G أو حتى 5G.
في الحقيقة فإن ارتفاع أسهم شركة تسلا، والغنى المتصاعد لصاحب أكبر الأسهم فيها، وصاحب الأفكار وأكثرها مغامرة، هو نتاج الثقة في مستقبل الشركة وقيادتها للاقتصاد العالمي من خلال الثورة الصناعية والتكنولوجية الرابعة أو الخامسة، أو حتى السادسة، لا فرق، ففي كل ثورة يجري إدماج تكنولوجيات الثروات السابقة في مولود جديد ربما كان أهم ما يميزه هو الارتباط بالفضاء الكوني.
وعندما يرسل إيلون ماسك أولى مركباته إلى الفضاء لوضع أساس شبكة الإنترنت الكونية، فإن حديثه عن الوصول إلى المريخ وبناء محطة فضاء فيه ليس محض خيال، وهو على أية حال قد ترك القمر لجيف بيزوس لكي ينشئ فيه محطة دائمة يقيم فيها البشر وتصلح منطلقاً لما سوف يأتي بعدها.
في أوقات الجائحة يبدو العالم كئيباً ومرهقاً وعلى الأغلب يتجاهل أن مسيرة التقدم الإنساني ماضية في طريقها. ولكن هذا ما حدث، ولم يكن التقدم جارياً فقط فيما جرى من سرعة في إنتاج اللقاح في 64 دولة بأشكال وسرعات مختلفة، وإنما كان هناك التقدم في كل ما يخص الحياة الإنسانية، سواء داخل كوكب الأرض أم خارجه.
ربما تكون هذه الصورة متفائلة أكثر مما يجب، ولكنها هي الصورة الحقيقية والواقعية لما جرى من جهود علمية وفكرية مذهلة. بعض البشر لا يحقق كل هذا الغنى لا باستغلال الموارد الطبيعية، ولا باستغلال البشر الآخرين، وإنما بالتفكير والخروج عن ما هو معتاد.
* كاتب صحافي مصري