منذ أن انتقل إلى رحمة الله، المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، والمقالات تتوالى للتحدث عن مناقبه وإنسانيته وإنجازاته الكثيرة، وفي الواقع، مهما تحدّثنا عنه، فلن نفيه حقّه من الوصف، لما تركه من إرث إنساني عظيم، وهو الرجل الذي تجاوز في إنسانيته حدود الجغرافيا، لتسافر عطاءاتُه وأعماله الخيرية متنقّلةً بين قارات العالم، لكي يمدّ يده البيضاء بالمساعدة للمحتاجين، منطلقاً من الأخوّة في الإنسانية، دون تمييز بين لون أو عرق أو دين.
ومهما تحدّثنا عن الشيخ حمدان، رحمه الله، سيبقى من الصعب الإلمام بجميع إنجازاته على جميع المستويات، فنحن أمام شخصية متكاملة متنوعة، متعددة الإنجازات والاهتمامات، وقد كان نبعاً لا ينضب من العطاء، الذي عبّر عنه بمقولته الشهيرة: «أشعر بسعادة غامرة، وبفرح كبير وارتياح تام، عندما أساهم في إدخال البهجة والسرور إلى قلب محروم، واللقمة في جوف جائع، وأرسم الابتسامة على ثغر عارٍ، وبناء مدرسة لمن حرمتهم الظروف من التعليم، وإنشاء مسجد لمسلمين واجهوا ظروفاً قاهرة، حالت دون تأمين المال اللازم».
وإلى جانب عمله الإنساني والخيري، استطاع -رحمه الله- أن يترك بصمة إيجابية في ميداني الصحّة والتعليم، حيث ساهم -من خلال موقعه على رأس هيئة الصحة بدبي- بصورة فاعلة، في النهوضِ بالقطاع الصحي، ووضْعِ دبي على خارطة المدن الأكثر تقدّماً في هذا الميدان، ليس إقليمياً فحسب، وإنما على المستوى العالمي أيضاً، فقد دعم القطاع الطبي، من خلال جائزة حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية، وركز على الارتقاء بالأداء الطبي والصحي، وتكريم العلماء والباحثين والمبدعين، الذين يثرون البحث الطبي، ويقومون بخدمة الإنسان والإنسانية في كل بقاع الدنيا.
أمّا في ميدان التعليم، فتعدّ جائزة حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز، أبرز المنارات التي أضاءت قطاع التعليم، عبر تكريم كلّ متميز ومتفوّق من معلمين وإداريين وطلبة، لتتحوّل هذه الجائزة بفضل جهود المغفور له، الشيخ حمدان بن راشد، إلى نموذج يحتذى في تعزيز وترسيخ مكانة التعليم والتفوّق العلمي، متجاوزةً حدود الإمارات، لتشمل دول مجلس التعاون، ومختلف الدول العربية.
وقد كان لي الشرف أن أكون ضمن الفريق الذي عمل في البداية على هذه الجائزة، لإعداد أنظمتها ومعاييرها وفئاتها، والتي أصبحت اليوم مؤسسة حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز، وهي تعكس فكراً نبيلاً نقياً وشريفاً ومحفّزاً على العمل والعطاء والإبداع، فأن تقول للمتميزين والمبدعين والمتفوقين (شكراً)، هي ثقافة تميّزت بها دبي، وساهم في إرسائها وترسيخها الشيخ حمدان، رحمه الله.
إضافة إلى ذلك، أنشأ -رحمه الله- جائزة حمدان بن راشد آل مكتوم – اليونيسكو العالمية، وغيرها من الجوائز التي سعت للنهوض بقطاع التعليم وتطويره، ومواكبته للأساليب والطرق الحديثة في هذا المجال.
كما شملت عطاءاته وإنجازاته، دعم العديد من المبادرات العلمية، وإطلاق ورعاية الجوائز الخاصة بالتميّز والإبداع في مختلف المجالات، كجائزة دبي الدولية لأفضل الممارسات، التي أُنشِئت لتكريم أفضل الممارسات ذات التأثير الإيجابي في تحسين ظروف المعيشة، إضافة إلى دعم المؤسسات الأكاديمية، ومراكز البحوث العلمية، محلياً وعالمياً، ومنها كلية آل مكتوم في إسكتلندا، التي تُعنى بالتواصل الإنساني وحوار الثقافات وتمازج الحضارات، وترسيخ قيم التسامح، والتعريف بالدين الإسلامي الحنيف.
لقد كان قائداً استثنائياً رائداً، نجح في إدارة وقيادة جميع المؤسسات التي ترأسها، من بلدية دبي، إلى هيئة الصحة، وهيئة كهرباء ومياه دبي، وغيرها من المؤسسات التي برزت كمؤسسات رائدة على المستوى العالمي، وليس المحلي فحسب.
أمّا أبرز إنجازات المغفور له، الشيخ حمدان، فكانت على صعيد الملف المالي، وهو الذي قاد وزارة المالية، منذ أن تأسست دولتنا الحبيبة، ومن المعروف أن البدايات تكون دائماً صعبة، لكنه استطاع أن ينطلق بالوزارة الناشئة، ليرسم السياسات المالية للدولة، ويؤسس فريق عمل متميزاً، وينجز البنية التحتية، ويعدّ الخطط والأنظمة، ويشرف على بنائها وتطبيقها، وبفضل جهوده، تتمتع دولة الإمارات اليوم بوضع مالي مريح ومعتبر، وتعدّ تصنيفاتها الائتمانية عالية المستوى، كما أنها تتمتع بمكانة اقتصادية رائدة على المستوى العالمي.
من العمل الخيري إلى العمل القيادي والإداري، ومن المالية إلى الخدمات، إلى التعليم والصحة والرياضة وسباقات الخيل... من الإمارات العربية المتحدة، إلى الدول العربية، إلى مختلف قارات العالم، بسط المغفور له، الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، جناحيه بالخير والتميّز والاهتمام، محلّقاً في قلوب الملايين من الأشخاص، الذين رفعوا أيديهم بالدعاء لروحه الجميلة، سائلين المولى جلّ وعلا، أن يتغمّده بواسع رحمته.
رحل الشيخ حمدان عنا بجسده، لكنّ ذِكره الطيب خالد فينا، وسيبقى دائماً الرجل المعطاء صاحب الأيادي البيضاء، والقلب الكبير، الذي ما زال ينبض حتى هذه اللحظة، مع كل دعاء من إنسان نال شيئاً من الخير على يديه.
فقد كان قائداً قريباً من الناس، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، يحضر مناسباتهم، ويأخذ بأيديهم، ويفرح لفرحهم، ويتألم لحزنهم.. كان رجل دولة وبناء، ورجل خير وعطاء، ورجل علم وإدارة وتميّز.. كان رجلاً إنسانياً كبيراً، والكبار لا يرحلون، بل يقيمون في قلوب محبّيهم، وتبقى آثارهم وبصماتهم، ويظلّ ذكرهم الطيب في قلوب وعقول وأرواح الناس، إذ تفنى الجسوم، وتبقى الرسوم.