الفن مرآة الشعوب، ولطالما كان له الدور الأكبر في استنهاض همم المجتمعات وتحفيزها على اجتياز أقسى المحن، وذلك بفضل قدرته على الإلهام وإحياء الآمال في النفوس وتعزيز مشاعر الثقة والإيجابية مهما كانت المصاعب مؤقتة وغير مسبوقة بطبيعتها.
ومما لا شك فيه أن جائحة (كوفيد19) وما أعقبها من فترات إغلاق وقيود على السفر والحركة، أدت إلى تضييق الفسحة المتاحة للتعبير الفني في المشهد العام، فغابت عنه بهجة المعارض الفنية النابضة بالحيوية وفرص التبادل الثقافي على أرض الواقع، وكذلك القدرة على التعاون والعمل الإبداعي المشترك.
ولأن التحديات والفرص صنوان لا يفترقان، سارع «آرت دبي» للانتقال إلى الفضاء الرقمي ضماناً لاستمرارية هذه المنصة الرائدة وتمكينها من مواصلة استعراض الأعمال الإبداعية التي يبتكرها الفنانون من مختلف أنحاء العالم للتعبير عن أنفسهم والواقع من حولهم. وبهذا، نجح المعرض في توفير الاستمرارية وتحفيز آفاق التعاون عبر الإنترنت، وأتاح لمجتمع الفنون فرصة استكشاف الإمكانات المتميزة التي توفرها الرقمنة.
فأثناء الجائحة، حوّل الفنانون حالة «الجمود» المفاجئة التي اجتاحت العالم إلى مصدر لاستلهام أعمال فنية يتجلى واقعنا غير المسبوق في الكثير منها، وأصبحت اليوم بمثابة مرجعيات تستقرأ الأجيال القادمة منها كيفية استجابة المجتمع الفني للأزمة التي طال أثرها الإنسانية جمعاء. ويمكن تشبيه هذه الأعمال الفنية بأعمال الرسام النرويجي إدفارد مونش صاحب لوحة «الصرخة»، والذي اشتهر بتوثيق فترة وباء الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918 عبر لوحتي «صورة ذاتية مع الإنفلونزا الإسبانية» و«صورة ذاتية بعد الإنفلونزا الإسبانية».
وبينما لا نعلم بدقة إن كان مونش قد أصيب بالإنفلونزا الإسبانية، لكن المؤرخ الفني جيه بي هودين قال: «لقد عانى وصوّر حالة الإنسان المعاصر خلال فترة لم يكن بعد قد أدرك فيها مأزقه». وتأتي هذه الكلمات لتعبر بوضوح عن ديمومة الفنون العظيمة وتحديها للأطر الزمنية، واحتفاظها بأهميتها وارتباطها مع جيل جديد كلياً من البشرية.
وعلاوة على الاحتفاء بقيمة الترابط الاجتماعي، لعب الفن أيضاً دوراً مهماً كأداة لتحقيق القيمة الاقتصادية. ومن الأمثلة على ذلك، «مشروع الفن الفيدرالي» الذي أطلقه الرئيس الأمريكي الراحل فرانكلين روزفلت عام 1935 في أعقاب الكساد الكبير، واستهدف إدارة مشاريع توظيف الفنانين واللجان الفنية الفيدرالية ومراكز الفنون المجتمعية.
وعلى المنوال نفسه، شهد المجتمع الإبداعي كثيراً من مبادرات الدعم المتواصلة التي قدمها رعاة الفنون رغم الجائحة المتواصلة، ومنهم مجموعة «جوليوس باير» التي تعد الشريك الأقدم لمعرض «آرت دبي» وتؤمن بمقولة مؤسسها الراحل هانز جي باير «يوفر الفن في بيئة العمل نقطة رائعة لبدء الحوار». ففي مكتبها ضمن «مركز دبي المالي العالمي»، تمتلك المجموعة تشكيلة أعمال فنية مذهلة تلهم الزوار وتشجع على الحوارات، محققة بذلك آمال مؤسس المجموعة.
وقد حرصنا في «مركز دبي المالي العالمي» على مواصلة التفويض بالأعمال الفنية لعرضها في «قرية البوابة»، المركز المتميز لأنماط الحياة العصرية، فأصبح لدينا اليوم واحدة من كبرى المجموعات الفنية العامة، إضافة إلى فعالية «ليالي الفن» التي ترحب بالمهارات الإبداعية والزوار من مختلف أنحاء العالم.
وباعتباره واحداً من أول المعارض الفنية العالمية التي تستأنف نشاطها على أرض الواقع، سيسهم «آرت دبي 2021» في إثراء تجارب الجميع عبر احتضانه لأكثر من 50 معرضاً رائداً من 31 دولة، تضم أعمالاً للعديد من الفنانين البارزين والناشئين. ويأتي ذلك تزامناً مع استعداداتنا لانطلاق «إكسبو 2020 دبي» الذي نهدف من خلاله إلى استقطاب الزوار من مختلف أنحاء العالم إلى دبي سعياً إلى تواصل العقول وصنع المستقبل عبر قوة الفنون. ونفخر هذا العام باستضافة معرض «آرت دبي» والاستثمار في تشييد مساحة مخصصة لاحتضانه في منطقة «مبنى البوابة»، وتوفير دعمنا الكامل لهذه المبادرة التي ستسهم دون شك في إثراء المشهد الفني في الإمارة.
ويوفر «آرت دبي 2021» منصة ملهمة للتواصل والتبادل والمعارف والمشاركة في الإبداع، وسيقدم لجميع الزائرين مساحة فعلية آمنة لتأمل الأعمال الفنية، واستكشاف مدى ارتباط الفن بالإنسانية وقدرتها على التعبير عن نفسها وصمودها في وجه التحديات.
* رئيس مجلس إدارة «آرت دبي» والرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي