كثيراً ما كنا نسمع أصوات المنادين بالوحدة العربية وهم ينادون أين الملايين؟، الشعب العربي وين؟ في أغنيتهم الشهيرة، وكثيراً ما كنا نسمع مناداة البعض بوجوب الوقوف في صف واحد، وأن نكون على قلب رجل واحد، وكثيراً أيضاً ما كنا نسمع أصواتاً تنادي وتطالب بوجوب وحدتنا، وأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، ولكن بعض هذه الأصوات اكتشفنا أنها جميلة فقط وهي تغني وتغرد، وللأسف هي نفسها من تريد أن تشتت الجمع وتخرق الصف.
ببساطة الوحدة العربية تنظير وحبر على ورق من وجهة نظرهم، وعندما نجد التفافاً عربياً حول قضية نجدهم هم أنفسهم المغنين المطبلين من يطعنون بنوايا هذا الالتفاف، ويشككون في مصداقية كل خطوة عربية تجاه بعضها البعض.
في الأيام الماضية تصدرت قضية الأردن وما حدث فيها، العديد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وأصبح الأردن وما يحدث فيه قضية الرأي العام الأولى في منشورات وسائل التواصل الاجتماعي وجروبات الـ«واتس آب»، ولا أنوي في مقال اليوم لا التعليق على الحادثة ولا حتى الدخول في تفاصيلها، فهذا شأن داخلي لدولة شقيقة، ما أريده فقط التعليق على مستغلي هذه الحادثة لزعزعة الروابط العربية، فبعد حادثة الأردن، تجمعت الدول العربية في صف واحد لتدعم الأردن، ورأينا خطابات التأكيد والوقوف في صف الأردن تخرج من وزارات الخارجية في معظم دولنا، وهذا أمر جميل وطيب، وهذا هو المعنى الحقيقي لأن نكون على قلب رجل واحد، وهذا هو مفهوم الترابط والتلاحم العربي بمفهومه المعاصر والواقعي، ولكن مع هذه الصورة الجميلة، خرج علينا من يعكر صفوها ويشكك في النوايا، ويدخل في تفاصيل وروابط عجيبة لا صحة لها ولا أساس.
في الحقيقة أريد أن أسأل هؤلاء المخربين العابثين المشتتين؛ ماذا تريدون؟، ألستم أنتم من طالبتم بوحدتنا، فلماذا تريدون فرقتنا، ألستم أنتم من تغنيتم بتآزرنا، فلماذا تريدون أن نتشمت ببعضنا البعض؟!، ألستم أنتم من قلتم يوماً إن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، فلماذا عندما اجتمعنا أردتم أن تفرقونا؟؛ أسئلة كثيرة تجوب في خاطري لهؤلاء المخربين، ولو أني أعرف الإجابة وسأقولها لكم؛ هؤلاء لا يريدون إلا قضية وحادثة ليتكلموا عنها وعليها، هؤلاء لا يهمهم مصلحة شعوبنا بقدر ما يهمهم مصلحة جيوبهم، هؤلاء يشكون في نوايا أنفسهم، فكيف لا يشكون في نوايا أي شخص؟ ولكم أن تتخيلوا أن هؤلاء متواجدون الآن في الفضاء الإلكتروني يلهثون ويركضون وراء «التريند» ليكونوا جزءاً منه، ويركبون الموج ليكونوا في الساحة، والبعض منهم لا أريد التعميم يدفع لهم من هنا وهناك ليقوموا بهذا الدور القذر.
الأردن احتفل بمئويته الأولى قبل أيام، ووجدنا العديد من الدول العربية تهنئ وتحتفل وتبارك وترسل المراسيل، بل وشاهدنا فيديوهات مصورة لمشاركات من بعض القادة العرب للمشاركة في هذه الاحتفالية، وقبلها كان الأردن في محنة ووجدنا دولنا تقف في أزره وتقف في صفه، ومن قبلها شاهدنا كيف هنأ القادة العرب مصر على احتفاليتها المبهرة بمسيرة المومياء؛ العرض الذي أبهر العالم وأسعد مصر وأسعد العرب جميعهم، وقبلها شاهدنا وحدة الصف بين مصر والسودان فيما يتعلق بقضية سد النهضة، ومن قبلها شاهدنا التبريكات للحكومة الليبية الجديدة، وكل يوم نرى المؤازرة من القادة العرب للمملكة العربية السعودية في مواجهة الانتهاكات الحوثية واستهدافها للأعيان المدنية في المملكة، وهذا هو وحدة الصف للموقف العربي المطلوبة، وهذه هي الوحدة العربية بشكلها المنطقي والقابل للتطبيق، بعيداً عن الأحلام التي تراود البعض؛ أحلام زائفة غير واقعية وغير منطقية في ظل العالم الجديد وتحدياته.
ما أردنا التأكيد عليه في مقالنا اليوم، هو أن العرب على قلب واحد له معنى ورؤية جديدة، علينا أن نعززها ونعمقها في أجيالنا وأجيال المستقبل، بعيداً عن حكايات الماضي التي لم تعد تنفع في هذه الأيام وباتت جزءاً من الماضي، وأردنا أن تعرف شعوبنا أنه يوجد تنسيق عالي المستوى نراه بين أقطارنا العربية في هذه الأيام، وعلينا أن نتغنى بهذا النموذج من التنسيق، فلا مشاورات ولا مفاوضات إلا ويكون هناك وحدة في الصف العربي، وربما لم نجد هذا التوافق في الرؤى المستقبلية من قبل، ولهذا علينا أن نعزز ونرفع من قيمة هذه المكاسب، لتبقى وحدة قلوبنا قائمة ووحدة صفنا بشكلها المنطقي القابل للتطبيق بعيداً عن أيدي المخربين وأفواههم المأجورة.