لم تعد أعمار الدول تقاس بالسنوات، وإنما بالإنجازات، ولاسيما عندما تحقق دولة ما نجاحات وإنجازات كبيرة في فترة زمنية قصيرة، كحال دولتنا الحبيبة الشابة التي قفزت في خمسين عاماً نحو آفاق واعدة، بدأتها على الأرض وما لبثت أن حلّقت بها باتجاه الفضاء الواسع.ففي خمسين عاماً رسمت الإمارات نموذجاً رائداً للنمو المدني والحضاري السريع، لتصبح في زمن قياسي واحدة من دول العالم المتميزة في نموها وتطوّرها السريع، بما حققته من نجاحات على الصعد كافة، من البناء إلى الاقتصاد فالتكنولوجيا، وصولاً إلى الفضاء، دون إغفال لأهمية بناء قدرات الإنسان والاستفادة القصوى من مواهب وإبداعات المتميزين.

اليوم ونحن نستعد للاحتفال باليوبيل الذهبي لدولتنا، نقف وقفة تقييم ومراجعة لما مضى، فعام الخمسين هو عمر النضوج، بعد عقود من البناء وإرساء القواعد وصنع النجاح، وهي ما يعكس قابلية الدولة للتطور، وقدرتها على مواكبة ركب التقدّم المتسارع، وهذا الأمر تمّ إثباته بصورة ملموسة، من خلال ما تمّ تحقيقه من إنجازات لا تخفى على أحد، ويتطلّع إليها القاصي والداني بعين الإعجاب والترقب لما هو آتٍ.

فعام الخمسينية كما قال عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله: «عام احتفاء بخمسين عاماً شهدت أسرع مسيرة بناء في تاريخ الدول.. وأفضل مسيرة تنمية شهدتها المنطقة.. وأنبل رحلة لبناء الإنسان.. وهو أيضاً عام استعداد لخمسين قادمة.. خمسين عامرة بالخير.. عميقة في التأثير.. نموذجية في بناء أمل للمنطقة والعالم».

فهذا العام هو محطة الانطلاق نحو المستقبل الذي نرنو إليه، استناداً على ما تمّ إنجازه، لكن برؤية جديدة قوامها خدمة الإنسان وتسخير التكنولوجيا الحديثة لبناء المستقبل وتوفير متطلبات الحياة الكريمة.

لقد تعلّمنا من خلال العقود الماضية من عمر دولتنا الحبيبة أن الإنسان هو أساس البناء، هو الوسيلة والهدف في الوقت ذاته، والثروة البشرية هي الثروة الأغلى، لذلك فعلينا أن نركّز في الخمسين سنة المقبلة على تنمية القدرات والمهارات البشرية، وإعطاء الموهوبين والمتميزين فرص التعبير عن إمكانياتهم، وتوفير بيئة محفزة لهم، ومنحهم الأدوات اللازمة والمساعدة على وضع تلك الإمكانيات والطاقات في خدمة الوطن والمجتمع.

كما أدركنا أهمية الأمن الغذائي والمائي في تحقيق استقلالية وسيادة الدولة، لذلك لا بدّ من التركيز على هذا الجانب، ليكون لدينا دائماً سيناريوهات وخطط جاهزة للتحديات الصعبة والمفاجآت في جميع المجالات، تحسباً لأي طارئ قد يهدّد الاقتصاد أو الأمن أو الصحة، لا قدّر الله.

ولعلّ تجربتنا الصعبة - مثل كل دول العالم - في مواجهة فيروس (كوفيد 19) تكون درساً للمستقبل، تحسباً لأي حدث مشابه، فبالرغم من نجاح دولة الإمارات في التصدي للفيروس والحدّ من انتشاره، واتباع إجراءات ناجحة لحماية الناس، إلا أن هذه التجربة كانت مريرة بالنسبة للعالم بأكمله، وأكّدت للبشرية كلها ضرورة الاستعداد لأي كارثة مشابهة محتملة، ونحن لدينا - ولله الحمد - كل الإمكانيات والمعطيات لنكون أكثر استعداداً وقدرة على التصدي لكوارث المستقبل إن حدثت، لا سمح الله.

ولأنّ التعاون الدولي مهمّ في كل حدث عالمي، فعلينا التركيز مستقبلاً على بناء روح التسامح مع الآخرين، والمساهمة في محاربة الكراهية على مستوى العالم، انطلاقاً من الأخوّة في الإنسانية، وتعزيز قيم التعاون والمحبة، ومدّ جسور التواصل مع الثقافات الأخرى.

اليوم، تتجه دولة الإمارات لتشقّ طريقها نحو المريخ الذي تخطط لأن تنشئ مستوطنة عليه في العام 2071 عندما تبلغ عامها الماسي، العام المائة من عمرها الحافل بالإنجازات، وبالتأكيد كثير منا لن يكون موجوداً ليشهد هذا الحدث التاريخي الفريد، لكن بصمة البناة الحقيقيين لذلك المستقبل ستكون واضحة وبالغة الأثر، تماماً مثلما نحتفل اليوم بالإنجازات التي أرسى قواعدها الآباء المؤسسون للدولة، والذين كما قال عنهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «خلفوا لنا دولة نعتز اليوم بالانتماء إليها، دولة ترسم في كل يوم بقعة ضوء على خريطة العالم».

فدولتنا تبني المستقبل للأبناء والأحفاد، وتضعهم على الطريق الصحيح لإعلاء اسمها ورفع علمها الغالي ليرفرف في فضاءات الكون الواسع، وينقش اسم دولة الإمارات العربية المتحدة على صخور الكوكب الأحمر، كما نُقِش واشتُهِر وأشرق في أصقاع الأرض.

* رئيس مجموعة الدكتور أحمد النصيرات للتميّز والابتكار