خلال السنوات الماضية تغيرت وتبدلت معايير الجمال ومقاييسها، وبات للجمال مراكز وعيادات وأطباء وخبراء، وبات له دورات وبرامج وأساليب ومناهج ورواد، وأنا لست ضد هذا التغيير كله.

فلكل إنسان طريقته في إظهار جماله، ولكن أن تتحول المعايير المجتمعية لمعايير تبرج، والخروج عن العادات والتقاليد من أجل إظهار الجمال، فهنا نقف ونتحدث ونخاطب ونحاول معالجة بعض السلوكيات، أو على الأقل مخاطبة أصحاب العقول لكي يعدلوا من بعض سلوكياتهم وتصحيح مسارهم.

الجمال بدون حشمة وحياء ليس جمالاً بل تبرجاً، والتبرج إن تفشى في المجتمع كثرت مشاكله وانعكاساته السلبية على أخلاقيات أجيال بأكملها، وحقيقة يجب أن تقال، نواجه الآن اختلالاً مجتمعياً في تقدير الجمال، وأنا لا أتحدث عن النساء بشكل خاص، وإن كان لهن النصيب الأكبر من حديثي، إنما أقصد هنا النساء والرجال، فحتى الرجال باتت لهم مراكز تجميل ومساحيق تجميل وستايلات خاصة بهم، وباتت رجولتهم قاب قوسين أو أدنى.

حين تتجول في المحلات التجارية والمولات، تشاهد ما يزعج العين ويرفضه العقل من مناظر للفتيات والشباب وهم يلبسون ما كان يرفضه المجتمع وترفضه عاداتنا وتقاليدنا.

فهل تبدلت عاداتنا أم تعودت أعيننا على هذه المناظر والصور والموديلات العجيبة الغريبة؟ سؤال بات يحيرنا والإجابة عنه في كلتا الحالتين موجعة، فإن تغيرت عاداتنا وتقاليدنا ومعايير حشمتنا، فهذه مصيبة، وإن تعودت أعيننا على هذه المناظر، فهذه الكارثة بأم عينها خصوصاً، وإن تمادت أعيننا في التعود، فحينها سنصل لمجتمع لا يعرف الحشمة ولا الحياء ولا يمت لهما بصلة.

لن أقول لكم إن الجمال الحقيقي هو جمال الروح وبأنه الجمال الداخلي، فالجمال الخارجي أيضاً مهم، ولكن لا أن يقترن الجمال بإظهار أجزاء من الجسد أو الشعر أو حتى لبس الملابس الضيقة التي تظهر أكثر مما تخفي، وليس أن يقترن الجمال بمساحيق تجميل وعطور فاتنة.

ولا هي مشية فيها من الدلع والخفة كما لو كانت مشية عارضة أزياء على «الكات ووك» ولا هي دلع ومياعة عند الحديث والتحاور، إنما الجمال في حياء المرأة واتزان حركاتها وتصرفاتها وردود أفعالها وتجاوبها مع ما يحدث في حياتها.

المصيبة والكارثة الكبرى أن يتحول تفكير المجتمع ليعتقد أن إظهار أجزاء من الجسد أو الشعر هو نوع من التمدن والتحضر، ونوع من الحرية والانفتاح على الثقافات الأخرى، في حين أن هذا نوع من الخطأ يجب إدراكه وتداركه، فلكل مجتمع عاداته وتقاليده في الملبس وطريقة المعيشة.

والتي يحافظ فيها على عاداته وتقاليده، ويحافظ من خلالها على تعاليم دينه، وخصوصاً عندما نتحدث عنا نحن كشعوب عربية وإسلامية لها خصوصياتها الأخلاقية والتي غالباً لا تتفق مع الثقافات الأخرى، ولذلك يجب أن نقول بأن حشمتنا ثقافتنا، وحياء نسائنا أصل جمالهن.

للأسف باتت الكثير من النساء يرين جمالهن في الخروج عن العادات والتقاليد أو اتباع «ستايل» غريب من لون الملابس وطريق ارتدائها كنوع من التميز وإظهار أنهن يتمتعن بشخصيات خاصة بهن، ولكن هن لا يعرفن بأن مثل هذه الاتجاهات تفقدهن الكثير من جمالهن، وللأسف بات هناك الكثير من المشاهد المخجلة والمقززة مما نراه في أسواقنا ومولاتنا.

وهذا يحتاج منا أن نراجع حساباتنا في تربية أجيالنا وضبط تصرفاتهم، ولو أن كل شخص مسؤول قوّم سلوكيات من حوله لوصلنا لمجتمع أفضل، فالحفاظ على سمعة مجتمعاتنا خير لنا من علاج سلوكياته.

نحن أمام مشكلة تعاني منها مجتمعاتنا ويجب علينا أن نتدارك هذه المشاكل حتى لا نفقد هويتنا وثقافتنا وتاريخنا ونصل إلى مجتمع مزيف يلاحق الموضة بما لا يتناسب مع طبيعتنا وطبيعة أخلاقياتنا المجتمعية، نحن لا نريد أن تتجه أجيالنا نحو الجمال دون أن تحافظ على حشمتها وحيائها، ولا نريد أن نخرج لأسواقنا ونرى هذه المشاهد الشاذة والتي بدأت تنتشر بين أجيالنا، بل نريد الاتزان لمجتمعنا لنحافظ على سمعته، خصوصاً وأننا مجتمع محافظ له تقاليده الخاصة.

* كاتب وإعلامي