منذ لحظة توهج خيوط الكربون في مصباح إديسون، حدثت قفزة تاريخية تشهد لها البشرية من كل بقاع الأرض، فالشرارة التي انبعثت من مصباح إديسون كانت نقطة تحول في الحضارات جمعاء، فذلك هو الحلم الذي طال انتظاره بعد سنوات من الملاحم بغية قهر عتمة الليل، فأصبح المصباح الكهربائي رفيق الكاتب، ومنارة العالم، وصديق الحالم. وساهم في دفع عجلة التقدم، وقيام نهضة صناعية، وفكرية، وفنية. يرى الكثيرون أن المصابيح وجدت لا لكي تقوم بإنارة الطرقات والمرافق، والمنازل، أو لتشغيلها وإيقافها وحسب، بل وجدت لتوفر بيئات أكثر راحة، وأثبتت الدراسات أن الإضاءة يمكن أن يكون لها أثر كبير في التركيز، والإبداع، والإنتاجية.

يعد الانتقال من المصابيح المتوهجة إلى الصمامات الثنائية الباعثة للضوء (LED) أحد أهم التطورات في عصر الكهرباء، التي يمكنها أن تعمل مدة 25 ألف ساعة متواصلة، وأن تستهلك نحو سدس الطاقة التي كانت تستخدمها أحدث المصابيح المتوهجة السابقة. كان الدافع الأساسي للانتقال إلى مصابيح LED هو كفاءة الطاقة وقلة الصيانة، إذ إنها تمتلك قدرة على التعامل مع اللون والسطوع وتدرج الألوان الذي بدوره يتماشى مع البحث حول التأثيرات البيولوجية للضوء في الإنسان. فالإيقاعات الطبيعية للشمس تبدأ بضوء أزرق في الصباح، وضوء أكثر بياضاً في منتصف النهار، ودرجات حمراء أكثر دفئاً مع اقترابنا من غروب الشمس، ولكن الضوء الاصطناعي غيّر كل ذلك بتوليد الضوء الأبيض على مدار اليوم. وقد أدى ذلك إلى انتشار مشكلات النوم، وضعف مستويات التركيز فضلاً عن مجموعة من المشكلات الأخرى التي تؤثر في صحتنا وإنتاجيتنا. 

من خلال محاكاة الضوء الطبيعي، يمكن لمصادر الإضاءة الاصطناعية العمل مع إيقاعات الساعة البيولوجية الطبيعية للإنسان؛ لتحقيق فوائد عدة للأشخاص الذين يقضون معظم يومهم في الداخل. يجري العلماء بحوثاً لدعم احتياجات البشرية بمختلف فئاتها، تقوم الفصول الدراسية بتجربة الإضاءة لتهدئة الأطفال الصغار في فترة ما بعد الظهر، ولتحفيز المراهقين في الصباح، ولتحسين التركيز ومحو الأمية. 

أصبح توليد الطاقة اللامركزي من أكثر الممارسات التي ساهمت في تقليل الانبعاثات الكربونية في الآونة الأخيرة، تتمتع المجتمعات بثقافة بيئية خضراء واقتصادية فأصبحت تولد الطاقة الكهربائية بنفسها من الألواح الشمسية، ولذلك تعد أقل اعتماداً على شبكة الطاقة المركزية باستبدالها الطاقة المولدة من المحطات بالتركيب الكهروضوئي الذي ينتج طاقة خضراء مستدامة. 

تشير الدراسات إلى أن مجتمعاتنا ستستحوذ بشكل متزايد على الإضاءة الذكية، التي تعكس مزيداً من الراحة والأمان واستهلاك أقل للطاقة، وسوف تصبح المفاتيح وأزرار الضغط زائدة على الحاجة، وسنختار مستشعرات الحركة ليتم تشغيل الضوء تلقائياً عند دخولك الغرفة، وتغلق حينما تكون الغرفة فارغة. لا تنحصر المستشعرات على التحكم في الإضاءة في منازلنا وحسب، بل سيتم استخدامها لمرافق وشوارع المدن الذكية، فيمكن أن تخفت إضاءة الشوارع الذكية نفسها في الشوارع الخالية من أجل توفير الطاقة أو تقوم بتغيير لونها عند التقاطعات الخطرة، فمع الإضاءة الذكية للشوارع، سيتم إبلاغ فنيي الصيانة على الفور عند وجود عطل في أحد المصابيح، ما يساهم في تسريع عملية إصلاح المصابيح وتقليل الحوادث فتصبح الطرق أكثر أماناً. 

لقد نجحت التكنولوجيا في اللحاق بالركب، وخفض الأسعار، ولا يمكن تجاهل حقيقة أننا نقضي 90% من حياتنا في بيئات مضاءة اصطناعياً، ما يؤثر في صحتنا. كلما زادت معرفتك بالإضاءة التي تتمحور حول الإنسان، وأن لديك إيقاعاً يومياً للحماية والمحافظة عليه، ستلاحظ تأثير الإضاءة في حياتك اليومية وأهمية الإضاءة الطبيعية. إن وعي المستهلك هو المفتاح الرئيس الذي سيقود إلى تغيير كبير في صناعة الإضاءة. إذن كيف ستبدو الأضواء في المستقبل؟ إنها مسألة تتمحور حول الإنسان.