في الأيام الماضية وصل إليّ الكثير من الإعلانات والعروض من العديد من الشركات والمحال التجارية ومواقع التجارة الإلكترونية عن عروض خاصة بـ«يوم الأب».
وقد قامت بعض الوجهات السياحية بتقديم عروض خاصة للآباء بهذه المناسبة، التي تصادف 21 يونيو من كل عام، وللأمانة لم أكن أعرف أنه يوجد يوم للأب، حتى وصلت إليّ كل هذه الإعلانات لأقوم بالبحث عن هذا الأمر وأكتشف الإجابة، وهذا ما دفعني للتساؤل؛ هل يوم الأب للمتاجرة أم للتقدير؟
في السنوات الماضية بدأ هناك اهتمام كبير بيوم الأم، وباتت شركات ومحال تجارية تطلق موسم العروض الخاصة بها، تماشياً مع هذه المناسبة حتى باتت أمراً واقعاً.
ولا تستطيع أن تفلت من هذه المناسبة من دون أن تقدم الهدية لشريك الحياة أو للوالدة، الله يحفظها، وأنا لست ضد مثل هذه الأمور، فالهدايا لها وقعٌ جميل في نفوس الجميع مهما كان حجمها أو ثمنها أو نوعها أو حتى مناسبتها، ولكن المستغرب استغلال الشركات هذه المناسبة والمتاجرة بها لزيادة مبيعاتها.
ما لاحظته في هذه الأيام من البدء بالاهتمام بيوم الأب يأخذنا للطريق ذاته، وفي مقبل السنوات سيصبح يوم الأب أمراً واقعاً، وسيصبح مناسبة اجتماعية يستوجب فيها تقديم الهدايا لكل أب، وأكذب عليكم إن قلت لكم إنني أرفضها أو لدي أي تحفظ تجاهها فكوني أباً لن أقول لا لمناسبة تخصني وتدعو إلى تقديري وتقدير مئات الملايين من الآباء الذين يستحقون هذه اللفتة الجميلة.
ولكن لدي تحفظ على استغلال هذه المناسبة «غير المعروفة وغير المشهورة» ومحاولة ترويجها فقط من أجل أن يكسب أصحاب المشاريع والمحال التجارية والعلامات التجارية، فالأولى أن تكون مناسبة لتقدير الأب، وما يقدمه من تضحيات تجاه أسرته طيلة سنوات حياته.
الأب يستحق الكثير في مجتمعاتنا وخصوصاً أن حقه مهضوم نوعاً ما مقارنة بالأم، فصحيح أن الأم هي المربية وهي من قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إنها أحق الناس بصحبتنا ثلاث مرات لتكون الرابعة للأب، إلا أن الأب جاء في المرة الرابعة.
وهذا دليل على أن للأب مكانة متميزة يجب أن يتمتع بها وأن نخصص له جزءاً من اهتمامنا، وليس هناك ما يمنع من إظهار المحبة والإجلال والتقدير لدوره في حياتنا، ويستحق منا أكثر مما نحن عليه من تقدير.
قبل أيام، شاهدت فيديو لأحد الأشخاص يجلس في مطعم أو مقهى مع والده المسن، وإذا بموظفي المقهى يقدمون الهدايا للوالد الذي تفاجأ بها، وكانت تعابير وجهه تعبّر عن فرح كبير بما حصل عليه من مفاجأة ومن هدايا واهتمام من ولده، ولا أعلم إن كان لها علاقة بيوم الأب أو بمناسبة خاصة لهذه العائلة.
ولكن ما أعجبني في الأمر أن الفرحة دخلت قلب هذا الأب المسن وشعر بتقدير ولده له، كلنا يعلم أن التقدير قد يكون كلمة أو لفتة أو حتى تصرفاً بسيطاً إلا أن تخصيص وقت من أجل أبيك وقيامك بخلق مثل هذه الفرصة لتعبر عن حبك له وامتنانك لما قدمه من أجلك، أجده أوقع في قلب كل أب، وليته يصبح عادة نمرر من خلالها رسائلنا للآباء بحبنا وتقديرنا لهم، وفرصة لنستكشف ما يكنّه لنا أبناؤنا في صدورهم.
السبب الآخر الذي دعاني لكتابة هذا المقال هو تصدر وسم يوم الأب في مواقع التواصل الاجتماعي، وأجد أن هذا الأمر لم يحدث بهذا الحجم من الاهتمام من قبل، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن يوم الأب يدخل حيّز التنفيذ ليصبح مناسبة مجتمعية لها وقعها وأحداثها الخاصة.
استعدوا ليوم الجد والجدة ويوم الأخ والأخت، ويوم خاص بالعم والعمة والخال والخالة، صحيح أن هناك شركات تحاول ترويج مثل هذه الأمور لتبيع منتجاتها، إلا أنه لا يمكننا إنكار أن أي مناسبة تدخل الفرحة قلب شخص له تأثير ومكانة في حياتنا فأهلاً وسهلاً بها، فإظهار المحبة والتقدير أمر من الجميل أن نجده في مجتمعاتنا، ومني لكم دعوة:
لا تفوّتوا أي فرصة تستطيعون أن تظهروا فيها حبكم لشخص موجود في حياتكم فبها صفاء القلوب ولها تأثير السحر مهما كانت الطريقة بسيطة، وكل عام وكل أب تاج على رؤوس أبنائه، ومني التحية لكل أب أفنى حياته من أجل أسرته.
أنت ليس يوماً واحداً بل تستحق يوماً في كل يوم، ليس لكوني أباً ولكن لكوني قريباً من الرجال، وأفهم حال كل أب ومدى الثقل الذي يحمله على كتفيه منذ اللحظة الأولى التي يرزق فيها بمولوده الأول.
* كاتب وإعلامي
د. يوسف الشريف *