بعد تفشي وباء «كوفيد 19» حول العالم، والإغلاق الذي دام عدة أشهر في بعض الدول، سعى المبتكرون والمخترعون إلى توظيف التكنولوجيا التي من شأنها تقليل انتشار فيروس «كوفيد 19»، فالتفشي السريع بين القارات غيّر عادات العمل على مستوى العالم، وتحوّلت بيئة العمل المادية إلى بيئة افتراضية؛ دعماً لاستمرارية الأعمال، ولتسهل إنجاز المهام تحت ظروف استثنائية إلى أن تجد البشرية مخرجاً، فبدأت رحلة التقصي للعلماء والخبراء في الأمراض المعدية، والتي أسهمت في الكشف عن العوامل المؤثرة على انتشار الفيروس وكيفية انتقاله بين الأفراد، وتظافرت الجهود جمعاء؛ هادفة تحقيق الأمان الذي كان يطمح له أصحاب المهن الفنية من أطباء، ومهندسين، والعاملين في القطاعات الحيوية، والذين تتطلب مهامهم حضورهم اليومي إلى مقر عملهم، وعلى أثر ذلك أصبح يزاولهم شعور عدم الأمان والاطمئنان بعد اندلاع «كوفيد 19» ونمط الحياة غير المستقر الذي صاحب انتشاره، ولكن تلت هذه الأزمة العالمية دراسة مسهبة؛ فبدأ الترحيب التدريجي في مكان العمل بقيود لضمان سلامة جميع الموظفين، مع توظيف التكنولوجيا الداعمة للعودة الآمنة.
تعد المباني الذكية أحد الحلول المستخدمة من قبل بعض المؤسسات في الوقت الحاضر، حيث تركز على التحكم في الحشود وتقليل عدد الأشخاص الذين يدخلون المكان أثناء التحقق من حالتهم الصحية عن طريق قياس درجة حرارتهم والتحقق من نتائج اختبار «كوفيد 19». ومع ذلك، فإن التحكم في المداخل والمخارج في المباني الذكية ليس هو الحل الوحيد للحد من انتشار الفيروس، تطبيقات إنترنت الأشياء «IOT» والحوسبة السحابية مع المباني الذكية في إدارة الأنظمة تمثل حلاً من أجل بيئة أكثر أماناً.
لم يغيّر انتشار الفيروس حياة الناس فحسب، بل عرقل أنظمة الأعمال والصناعات، فكان على المختصين في المجال أن يبتكروا طريقة أو تقنية تساعد في إدارة حركة الدخول والخروج داخل المباني، فتمحورت المشكلة الرئيسية في إيجاد طريقة لإدارة وتقليل عدد الأشخاص داخل المباني الذكية مع مراعاة إجراءات الصحة والسلامة بمستوى عالٍ من الأمان والكفاءة، واعتبر المزيج بين إنترنت الأشياء والحوسبة السحابية الحل الأنسب للمساعدة من خلال وضع خطط أفضل لأنظمة وبيئة المباني الذكية. واستخدم عدد من الباحثين إنترنت الأشياء لتحديد أعداد المستخدمين للقاعات والمرافق في أي وقت، وذلك عبر تحديد عدد الهواتف الموصولة بالإنترنت في مساحة معينة، ويمكن برمجة نقطة الوصول اللاسلكية (WAP) لجمع البيانات فقط من الهواتف الذكية التي تعد بمثابة جهاز استشعار لجمع البيانات، ويحدد النظام عدد الأجهزة الموصولة به في وقت معين، وبهذا يمكن لفرق غرفة التحكم متابعة ومراقبة أعداد العاملين في كل طابق أو قاعة لأغراض السلامة واتخاذ التدابير الاحترازية.
ينتشر فيروس «كوفيد 19» بشكل أساسي من خلال قطرات الجهاز التنفسي أو ملامسة الأسطح الملوثة، مما يزداد خطر الإصابة بالعدوى في أقل من متر واحد مع الاتصال الوثيق أو الحالات الإيجابية. وتخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قياس مسافة التباعد الاجتماعي في الأماكن العامة، حيث تسمح بالكشف في الوقت الفعلي لتحديد ما إذا كان الأشخاص يفصلون مسافة كافية في مواقع التجميع مثل المتاجر والمرافق العامة بما في ذلك محطات القطارات والمطارات.
على المؤسسات التأكد من توفير هواء نقي ونظيف في جميع أماكن العمل، كما أوصت منظمة الصحة العالمية بتوسيع معدل التهوية من خلال التهوية الطبيعية أو التهوية الاصطناعية.
تتزايد الحاجة لأنظمة المراقبة في جميع أنحاء العالم لضمان سلامة مكان العمل، مما يقلل من إجهاد العامل ويحسن إنتاجيته، وتعد مراقبة جودة الهواء الداخلي أمراً ضرورياً لضمان تدفق هواء آمن وصحي وخالٍ من الملوثات إلى الموظفين، ومع الوضع الحالي لـ«كوفيد 19» أصبحت جودة الهواء إحدى الأولويات التي تهدف إلى الحد من انتشار الفيروس. صحيح أننا لا نستطيع مراقبة جزيئات الفيروس في الهواء، ولكننا نستطيع مراقبة جودة الهواء التي ستقلل بدورها الانتشار من خلال المستشعرات التي ترسل بدورها إشارات حول سلامة النظام ونسب الملوثات.
لا تقوم التكنولوجيا بعملية المراقبة وحسب، وإنما بجمع البيانات التي تسهم في اتخاذ قرارات أفضل، الاستثمار في التكنولوجيا سيرفع من كفاءة الحكومات لاكتشاف وتخفيف الحالات الطارئة قبل تفاقمها إلى أزمات، وتدعم الأنظمة المتكاملة خطط التعافي، التي تتضمن جميع الوسائل للتخفيف من انتشار فيروس «كوفيد 19»، وتعزيز السلامة في مكان العمل، بالإضافة إلى زيادة استعداد المؤسسات وجاهزيتها لأي أوبئة قادمة أو أزمات.