يأتي عيد الأضحى المبارك، وفي النفس حاجات وأمنيات بأن يحتفل الناس في العيد المقبل وقد أضحى فيروس كورونا من ذكريات الماضي. لا كمامات، ولا توجس، وكثير من الودّ الدافئ الذي بدّدته الجائحة، أو كادت.
عيد أضحى مباركاً نتمناه لكل المؤمنين، وسعادة مشرقة بالبِشر والتفاؤل نرجوها لسائر الإنسانية التي تألم أفرادها، فخسروا أحباباً وأرزاقاً ومساحات رحبة من الحرية والانتقال والاحتفال والسفر. ونأمل أن تكون تلك المرحلة القاسية آخر الخسائر ونهاية الأحزان، أو كما تقول الأغنية الشعبية «تنذكر ما تنعاد».
لا ريب في أنّ أكثر ما يشغل بال البشر الآن هو كيفية العودة إلى الحياة السابقة. سيقيّض لهم، العامَ المقبل، أن يتلاقوا في عيد الأضحى، وقبله في عيد الفطر، فيحدّث بعضهم بعضاً عن مآثر الاجتماع البشري بلا محاذير أو مخاوف. وأنا من المتفائلين بأن تكون الانفراجة والقضاء على الفيروس، أقربَ من منتصف العام المقبل، وأمنّي النفس أن يمثّل عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية، إعلاناً صريحاً بالعودة إلى الحياة الطبيعية، وأن يكون عام 2022 عام التعافي، وهناك ما يرسّخ هذا الرجاء ويعزّزه.
المختبرات وشركات الأدوية في العالم تعمل بوتيرة تسابق الزمن من أجل التوصّل إلى دواء، وليس لقاحاً، لمعالجة الفيروس. والثقة بالعلم والعقل الإنساني عندي عالية، وينعقد عليها الرهان، لأنّ المختبرات هي درع الحماية الأساسي للبشر، والمختبرات هي ابنة العقل الذي دشّن عصور التنوير، وقضى على الجهل والخرافة وجفّف الغيبيّات، وأعاد للعلوم الطبيعية هيبتها فاستردّت بفضل ذلك صولجانها.
الأجمل في عيد الأضحى أنّ المطارات الآن مليئة بالمسافرين الذين هزموا مخاوفهم واستجابوا لنداءات السلطات بأخذ اللقاحات، والتزام التعليمات الصحية، وذهبوا للقاء عائلاتهم وأحبابهم، وقضاء إجازة العيد أو عطلة الصيف. وهذا مؤشر إلى ارتفاع المناعة النفسية التي هي أساس المناعة الجسدية، كما أوضحنا في المقال السابق «كأنه إنفلونزا»، ما يؤكد أنّ «كوفيد 19» ليس قدراً لا فكاك منه، رغم شراسته، وتحوّلاته وتحوّراته. ولكنّ العلم لها في المرصاد.
نتمنى أن يكون العيد المقبل مناسبة حقيقية للتلاقي وإنعاش الأمل، وهذا يتطلب عدم التوقف عن التضحيات التي أساسها المسؤولية الذاتية بأن يتولى الإنسان حماية نفسه والآخرين وتلقي اللقاحات، والابتعاد عن نظريات المؤامرة والمخاوف التي لا تملك مسوغات علمية، ويهذي بها غير المتخصصين.
لا سبيل لتجنّب الفيروس إلا بأخذ اللقاحات، أو التعرّض لإكراهات «مناعة القطيع»، ولكنّ الخيار الأول أفضل وأسهل، لأنّ الثاني يستبطن أخطاراً في وسع الإنسان أن يتجنبها.
لا تودّ هذه المقالة أن تكون موعظة صحية، فكل إنسان أدرى بما ينفعه، ولكنّ واجب الكتّاب أن ينبهوا ويعلقوا الجرس، وأن يحفزوا الطاقة الإيجابية في نفوس الناس. ولقد خاض كاتب هذه السطور في نقاشات متواصلة من أجل إقناع أصدقائه وطلبته بأنّ اللقاحات هي درع الحماية الأولي ضد الفيروس.
درهم لقاح خيرٌ من آلام الإصابة ومكابداتها، وربما الموت. مصانع الأدوية لا تتوخى السيطرة على الخريطة الجينية للناس، بل هدفها وقف سلاسل الإصابة، وهذا ما يسند جدران العزم والتصميم على بلوغ الأعياد المقبلة بأذرع مفتوحة على احتضان الحياة بكل لذاذاتها وشغفها.
أضحى مبارك. وكلَّ عام والبشرية بخير وسلام وحبّ.