حتى وقت قريب كان الحريق الذي شب في لندن والتهم نصف المدينة يوصف بإحدى أعظم الكوارث في التاريخ وسمي بـ«الحريق الكبير» في كتب التاريخ والمؤرخين.
اليوم وخلال الأسابيع الأخيرة يواجه العالم حرائق من طراز «الحريق الكبير»، بل إنها تتجاوز قياسيته في الأضرار، إنها مرعبة بما يكفي ليجعلها تلتهم أشجار الغابات، ويستحيل التنوع البيئي وتستحيل المساحات الخضراء الواسعة بسببها إلى مساحات فانية، وأطلال من الرماد، إنها تنتقل من مدينة إلى أخرى وكأنه ماراثون تتنافس فيه ألسنة اللهب على إحراق الأخضر واليابس وكل ما لم يتمكن من النفاذ بجلده من الكائنات، بل وحتى أن من تطوعوا في إطفاء تلك الحرائق ذاقوا من الحريق ما ذاقته أشجار تلك الغابات وكائناتها.
لقد استطاعت درجات الحرارة المرتفعة أن تقدح شرارات تلك الحرائق، وتشعل فتيلها في مناطق شتى من العالم مثل مدن البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا وأجزاء واسعة من دول الشرق الأوسط، كما ونالت من غابات واسعة من أمريكا اللاتينية، لولا أنها صورة غير معهودة من قبل، لقد تسببت في هلاك أشجار زيتونٍ عمرها يزيد عن ألفين وخمسمئة عام، أي أن عمر شجرة واحدة منها يساوي عمر حضارة بكاملها.
وبدلاً من النظر جيداً في أهداف التنمية المستدامة وأسباب صياغتها ألقي اللوم على عدوٍ مجهول بمزاعم أنه من تسبب في تلك الحرائق، وبدلاً من فهم حقيقة ما يجري وإدراك التغيرات المناخية التي تحدث على كوكب الأرض والتي إن لم يتم احتواء مسبباتها واستدراكها وتكريس الجهود من أجل استيعابها، فإن ذلك مما سوف يجعل الحياة مستحيلة على سطح هذا الكوكب لجميع كائنات ممالك الوجود الثلاث، وبدلاً من ذلك يعبر البعض عن عجزه عن فهم ذلك ولا يتجاوز نظره إلى أبعد من موطئ قدميه، فيجازف بإلقاء اللوم على الآخر المجهول، وتصويب التهم نحوه كسبيل وحيد لتخفيف حدة غضب الجماهير وكبح جماح الرأي العام.
ولا يقف الأمر عند ذلك الحد فقط من الكارثة التي تتربص في الأنحاء فها هي الفيضانات والزلازل التي هي نتاج طبيعي لكارثة تداعيات المناخ المتغير على سطح الكوكب، ولن يتوقف الأمر عند ذلك فحسب، بل سيتسع أثره حتى يتداعى كوكب الأرض من داخله ويستلب فيه الكائن الحي حتى لا يبقى أثر لوجود الحياة عليه.
إن منع الكوارث والأزمات قبل وقوعها ثيمة يتسم بها تفكير العباقرة والعلماء، وأما المثقفون العاديون فثيمة تفكيرهم هي إيجاد الحلول للكوارث والأزمات بعد وقوعها، ولعل العباقرة من علماء الأرض والمناخ، قد انتبهوا في أبحاثهم قبل عقد من الزمن إلى هذا المصير الذي يحدق بالكرة الأرضية، وأطلقوا نداءات واسعة، بشأنه، في منشوراتهم العلمية، لولا أن أحداً من الحكومات لم يمنحهم من الإصغاء ما يكفي ليجعله يبادر بجدية في استيعاب هذه الكوارث، ويتفاعل معها، ويدعو إلى ما يوجب منع وقوعها.
لقد كان هناك تساهل وتهاون وتراخٍ كبير في هذا الجانب ليكون الثمن باهظاً بالتالي وسيتحمّل مغبته الجميع.
إن على العالم فهم «أن حركة جناح فراشة في الأمازون قد تصبح تسونامي في اليابان، وعندما يستوعب جيداً فحوى هذه النظرية الفيزيائية «نظرية الفراشة» سيدرك أن مشروع تحقيق الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة مرتبط ارتباطاً كلياً بأبعاد تلك النظرية، بل هي تعبير عنها، كما ولذلك المشروع علاقة وطيدة بما يحدث اليوم من حرائق وكوارث، وهنا أيضاً يجب أن نعي أن هذا الكوكب هو مسؤولية الجميع، وما يمكن أن يتسبب بالضرر في جزء منه يمكن أن يتسبب بالضرر على كل أجزائه كما تتداعى أعضاء الجسد الواحد بالسهر والحمى حين يمس الضرر جزءاً من ذلك الجسد. وللحديث بقية.