إذا كانت المعجزة التي تحقق بفضلها وجود حضاري لكثير من الأمم في عصور التاريخ هي معجزة الاستجابة للتحديات التي فرضها المكان والزمان والبيئة التي وجدت فيه عليها، فإننا اليوم نرى ونعيش حالات وجود حضاري فاعل لشعوب كثيرة، أهمها دولة الإمارات العربية المتحدة، وكما يبدو فإن القوام الحضاري لهذه الشعوب ليس سوى الاستجابة للتحديات ورفض منطق فكرة المستحيل في قاموسها.
يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: «لا توجد كلمة مستحيل في قاموس دولتنا».. من هنا أيضاً يمكن اكتشاف أسرار صناعة الحضارة الحديثة التي تأسست ونهضت في دولة الإمارات العربية المتحدة.
كما يُحيلُنا ذلك برؤية واضحة إلى نظرية «التحدي والاستجابة» التي قال بها المؤرخ البريطاني آرنولد توينبي، الذي أوضح فيها أنه ما من حضارة يمكن أن توجد على هذه الأرض، قديماً أو حديثاً، إذا لم يوجد تحدٍ لها، سواء على صعيد البيئة أو على كافة الأصعدة، وبقدر استجابة المجتمعات لتلك التحديات بقدر ما يمكن أن تنهض وتقوم حضارات عظيمة.
خلال عقدين من الزمن ظلت، وما زالت، دولة الإمارات العربية المتحدة تتصدر قوائم مؤشرات القياس التنموية في جميع المجالات، وليس فقط على الصعيد العربي، بل لقد تجاوزت ذلك إلى صعيد عالمي، وها هي في كل مرة تصيب أهدافها التنموية والحضارية بدقة لا متناهية، وبإبداع يقول إن مستقبل أي حضارة مرهون بقدرتها على الإبداع والابتكار.
يقول أحد الحكماء القدامى: «لا ينفع المتقدم تقدمه إذا قصر، ولا يضر المتأخر تأخره إذا أجاد».
ويقول حكيم آخر: «ما على الناس من شيءٍ أضر من قولهم ما ترك الأول للآخر شيئاً»، ومن خلال هاتين المقولتين يمكن التأكيد على أن الاكتفاء بالتغنّي بأمجاد الحضارة العربية القديمة لن يصنع لنا وجوداً فاعلاً ولن يمنحنا حيزاً حضارياً بين الأمم، ولا يكفي ذلك مطلقاً حين نتوقف عن الإبداع والابتكار والارتقاء بتلك المناهج الحضارية القديمة التي سارت في دروبها الحضارات العربية القديمة.
إن استئناف مشوار الحضارة العربية قد بدأ بالفعل بذلك الحراك التنموي والحضاري الذي أوقدت شعلته دولة الإمارات العربية المتحدة في المنطقة العربية، ولنا من اليوم فصاعداً أن نستعيد طموحاتنا وإرادتنا المستلبة، وأن نفاخر بأننا من نسل أولئك الذين أضاؤوا صفحات التاريخ الإنساني بإنجازاتهم العلمية والفنية والحضارية على كافة الأصعدة.
ثمّة فعالية حضارية تمثل كرنفالاً عربياً يجب أن تحتفي به جميع شعوب المنطقة العربية، وهو يمثل حجراً كبيراً في تفاصيل بناء صرح الحضارة العربية الحديثة.
ذلك الحدث وتلك الفعالية هي معرض «إكسبو 2020 دبي»، الذي لم يبقَ بيننا وبين انطلاقته سوى أيام معدودات، ليستمر من ثمّ لمدة ستة أشهر، ومن خلاله يمكن القول بأن العرب قد ارتقوا مُرتقى صعباً كانوا عنه بمنأى، لولا جهود إمارة دبي بشكل خاص، ودولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، تمثلهما القيادة المحنكة التي تدير دفة سفينة الحضارة الحديثة.
لقد كانت استضافة معرض «إكسبو 2020 دبي» تحدياً عظيماً لدولة الإمارات العربية المتحدة، بل يمكن القول بأنه معجزة العرب في العصر الحديث، ولولا استجابة هذه الدولة لذلك التحدي واستيعابه جيداً لما تحقق، وإذا كانت دول العالم الأول هي من تدير دفة الاقتصاد العالمي فإنه بدءاً من معرض إكسبو دبي 2020 ستأخذ دولة الإمارات العربية المتحدة الزمام منها.
وتتولى القيادة بدلاً عنها، وتعيد توجيه مسار الاقتصاد العالمي من جديد، ليس فقط بسبب العجز الذي أصيبت به تلك الدول أمام الظروف التي فرضتها جائحة كورونا، ولكن لأن قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة أهلٌ لذلك، وقادرة على إعلان ميلاد جديد للاقتصاد العالمي بمهارة واقتدار. وللحديث بقية.
خبيرة اقتصاد معرفي