حين يبتسم القائد الجسور الصبور في إطلالته على شعبه، تختزن هذه الابتسامة كثيراً من المعاني الإيجابية التي تهدف إلى تنشيط إيقاع الروح والعقل والوجدان، وهي إشارةٌ إلى أنّ القائد يقصد إلى تعميم الإحساس العميق بالعافية والقوة، فملامح الوجه هي مِرآة القلب وما يفور فيه من ينابيع السعادة أو الألم والانقباض.

فإذا أضيف إلى ذلك نبرة صوت واثقة وصلت الفكرة التي يريد القائد توصيلها في أبهى صورة وأعمق أسلوب، وهذا هو الأسلوب الذي يحرص صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، على صياغة ومضاته القيادية به، حيث ما زال صاحب السموّ يتواصل مع شعبه الوفي من خلال هذه الومضات التي تضخّ في عروق المتابعين كثيراً من الدماء القوية التي تمنحهم كثيراً من النشاط والحيوية والرغبة الصادقة في مواصلة العمل الذي يفتخر به الوطن، ويُسهم بقوة في تقدمه ورفعته بين الأمم والشعوب.

في هذا السياق المحتدم من النشاط الفاعل لصاحب السموّ ونحن على أبواب واحد من أكبر الأحداث العالمية (إكسبو دبي 2020)، نشر على حسابه في إنستغرام ومضة قيادية بديعة المحتوى، ذهب فيها إلى خلخلة مقولة عميقة الاستقرار في الثقافة الإنسانية نرددها كثيراً كمسلّمة عقلية هي:

«إنّ الحاجة هي أم الاختراع» فكل ابتكارات الإنسان قد تمّت تحت ضغط الحاجة وتلبية لنداء الفاقة، فجاءت تدوينة صاحب السموّ لتعدّل هذه الفكرة وتطرح بديلاً هو أكثر فائدة في النظر العميق المحايد ليقول لنا: إن الابتكار يجب أن يكون حالة دائمة في التفكير الإنساني، لأنّ هذا هو اللائق بالطاقة الإنسانية الفاعلة المتجددة على الدوام.

(لو نظرتوا إلى العالم، الابتكارات اللي صارت فيه هي من الحاجة، إذا احتاج العالم إلى شيء كذا، ابتكر)، حيث يلفت صاحب السمو في طليعة هذه الومضة الأنظار إلى المقولة الراسخة في الفكر الإنساني وهي أن الاختراعات والابتكارات إنما جاءت تلبية لحاجات الإنسان، ابتداء من تحويل القمح إلى طحين وخبز، وتحويل الطين إلى جرّة الفخار واختراع الأدوية، مروراً بالكتابة واستثمار النار وترويض الدواب وجميع مظاهر التحضر الإنساني البدائية وصولاً إلى أرقى مظاهر الاختراع المعاصرة، فكل ذلك بحسب تاريخ العلم وتطوراته الجوهرية إنما جاء تلبية لتلك الحاجات الإنسانية العميقة بحيث ظل الابتكار تابعاً للحاجة، ولم يصبح نشاطاً مستقلاً يمارسه الإنسان ليستبق به الحاجات والضرورات.

(أنا أقول: لا، ليش نحن ننظر إلى المشكلة عشان نبدأ، لا، لازم نبتكر من اليوم)، في هذا الموطن من هذه الومضة المحتدمة بالقوة والعزم، يطرح صاحب السمو رؤيته الخاصة بمفهوم الابتكار.

حيث يصرح برفضه للمقولة السابقة التي تربط بين الاختراع والحاجة ليقول بصوت عالٍ: لماذا ننتظر حدوث المشكلة ونترقّب الأوضاع الصعبة كي نبحث عن الابتكارات الجديدة التي تعالج المشكلة، بحيث يظل الابتكار مرهوناً للحاجات الإنسانية.

فالأولى بنا البحث عن رؤية جديدة تقوم على امتلاك زمام المبادرة وتفعيل طاقة الابتكار لدى الإنسان بحيث تكون سبّاقة في استشراف المستقبل، وطرح الرؤى الجديدة التي تتنبأ بالواقع وتضع له المسارات الآمنة من خلال تسريع وتيرة الابتكار، وفكّ الارتباط بينه وبين الحاجة، وهذه رؤية متقدمة ستؤدي بلا شكّ إلى تنمية الملكات الإنسانية في طريق الإبداع وتجديد طاقاته الخلّاقة في الابتكار والاختراع وتقديم الجديد في جميع مجالات الحياة.

(كل إنسان عنده رؤية، وعنده هدف، كلما يقترب الإنسان من هدفه كلما رؤياه صارت أبعد وأوسع)، والرؤية هي الجوهر العميق في فكر صاحب السمو وقد تحدث عنها بعمق واستفاضة في كتابه الثمين (رؤيتي: التحديات في سباق التميز)، حيث خصّها بفصل كامل أشرنا إلى جوهره مراراً كثيرة في إضاءة أفكار صاحب السمو، فهو قائد عميق الرؤية، عميق الإيمان بضرورة وجودها في فكر القائد بحيث إن الرؤية هي القيادة.

فمن لا رؤية له فلن يصلح للقيادة بأي حال من الأحوال، وفي هذه الومضة الثمينة يُعيد صاحب السموّ التأكيد على التلازم العميق بين الإنسان وبين رؤيته الخاصة، فبحسب صاحب السمو، فإن لكل إنسان رؤيته الذاتية الخاصة به، يلازمها هدف يستحق العمل والجهد الشاق، وكلما تقدم الإنسان في طريق الإنجاز انفسح أمامه أمد الرؤية، وأصبحت أكثر اتساعاً وبُعداً، بحيث تقتضي بذل المزيد من الجهد لمواصلة السير في طريق العمل والإبداع.

(الابتكار أو الاندثار) بهذه اللغة القوية الواثقة يختتم صاحب السموّ هذه الومضة القيادية الرصينة التي تضع النقاط على الحروف، وتُعيد النظر في فكرة راسخة الحضور في عقل الإنسان ووجدانه، بحيث تصبح الحياة الإنسانية دائرة داخل ثنائية متضادة هي إما الابتكار وإما الاندثار، لتكون هذه الصياغة الحاسمة عاملاً كبيراً في التحريض على خروج الإنسان من عباءة الكسل وثوب الخمول، فالرهان صعب، والتحديات كبيرة، والمعادلة المطروحة للحياة لا تحتمل التأجيل، وهذه هي سمات القائد الشجاع الجسور:

أن يحرك الساكن، ويطرح المفاهيم الجديدة لإعادة صياغة الحياة، ويبدد كل مظاهر التقليد والكسل والاستنامة على النموذج السابق، لأنّ طبيعة الحياة وإيقاعها لا يحتملان هذا التفكير المترهل الذي ينتظر الظروف والحاجات لكي يفكر بالحلول ويحاصر المشكلات.

في الفصل الحادي عشر من كتاب «رؤيتي» والذي جاء بعنوان «صُنع في دبيّ» يؤكد صاحب السمو على أن ابتكار الحلول هو أحد أهم مظاهر التميز التي تتميز بها دبيّ على المستوى العالمي.

حيث جزم صاحب السموّ بأنّه لا يوجد أنظمة وقوانين بشرية مقدسة بل جميع مظاهر التقنين قابلة للتعديل والخضوع لفكرة ابتكار الحلول لمنح الحياة الكثير من المرونة التي يُحتاج إليها في بعض الأحيان، لأن التطور بحسب عبارة صاحب السمو يعني الاستمرارية، وهذه الاستمرارية من المستحيل أن يتم إنجازها ضمن قوالب جاهزة بل لا بد من تفعيل طاقة الإبداع والابتكار داخل الروح الإنسانية لأنها الضمانة الوحيدة لمواصلة المسيرة نحو مزيد من التقدم والتفرد والألق العقلي الفريد.