حالة ترقب شديدة في العراق، مع قرب إجراء الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في العاشر من أكتوبر المقبل.
الآمال معقودة على نجاح تجربة الانتخابات المقبلة، كونها ركيزة يمكن البناء عليها، واستكمال مراحل عودة الدولة العراقية إلى استقرارها الداخلي، وإلى محيطها العربي والإقليمي.
لا شك في أن نجاح هذا الاستحقاق يحمل في طياته العديد من الرسائل، والدلالات الكاشفة للأوضاع، التي وصل إليها العراق، بعد أن ظل يرزح تحت وطأة التخريب والفوضى، على مدار ما يقرب من عقدين، مليئين بالانهيارات المتلاحقة، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، لدرجة جعلت الصورة العراقية قاتمة إلى حد كبير، تركت بصماتها السلبية على وجه العراق، وظلت بغداد رهينة التجاذبات السياسية والطائفية، لكن الآن، وبعد أن صارت عودة العراق هي الخيار الوحيد والحتمي، فإننا أمام شواهد عدة تقود إلى تحقيق هذا الحلم الذي يليق ببلاد الرافدين.
في مقدمة هذه الشواهد، تأتي التحركات والجولات المكثفة، التي قام بها خلال الفترات الماضية الدكتور مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي، وأثمرت نتائج طيبة، أسهمت في تصحيح الصورة النمطية للعراق، واستعادة الزخم والدور العراقي الجديدين في المنطقة، فليس خافياً تلك الجولات واللقاءات والمشاورات التي شملت المنطقة العربية، وبعض العواصم الأوروبية، فضلاً عن زيارته الشهيرة إلى واشنطن، وهي الزيارة التي لاقت اهتماماً ونجاحاً كبيرين لدى الرأي العام العراقي والعربي، لا سيما أن خلال هذه الزيارة استطاع الكاظمي، إقناع الرئيس الأمريكي بايدن، وإداراته بإنهاء الدور القتالي للقوات الأمريكية في العراق مع نهاية هذا العام، وهذه خطوة استراتيجية وفارقة وفاصلة في مسار الصعود العراقي، وعودة الدولة الوطنية المركزية في العراق.
ترافق مع هذه الخطوات المضيئة لرئيس الوزراء، تلك الخطوات الأخرى، التي صنعت حضوراً قوياً وفاعلاً لبغداد خلال الأشهر الماضية، يأتي في مقدمة هذه الخطوات، استضافة بغداد للقمة الثلاثية التي جمعت مصر والعراق والأردن، وبعدها بشهرين استضافت أيضاً بغداد تسع دول عربية وإقليمية ودولية في قمة بعنوان: «بغداد للتعاون والشراكة»، وهذه القمة كان لها بالغ الأثر في تهدئة التوترات، والتأكيد على ضرورة الاستقرار، وضرورة عدم التدخل في الشئون الداخلية للبلاد، والحرص على عودة مؤسسات الدول العراقية إلى دورها الطبيعي، ومواجهة فلول الإرهاب والتنظيمات المتطرفة والميليشيات، واستلهام قاموس العراق القائم على نشر الثقافة والحضارة والتنوير، ووحدة النسيج الاجتماعي والسياسي للدولة العراقية، التي عرفتها المنطقة والإقليم والعالم عبر التاريخ.
أشواط كبيرة قطعتها مؤسسات الدولة العراقية، جعلتها تفرض نفسها على معادلة الأمن الإقليمي، وتجذب إليها أنظار أصحاب القرار، إذ إن بغداد باتت الحضن الدافئ، الذي يجمع الفرقاء والمختلفين في المنطقة من ناحية، وصارت أيضاً طاولة نقاش لحل الصراعات ما بين القوى الإقليمية والدولية.
تجليات هذه التحركات، وهذا الصعود العراقي، أكدها حرص الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، على مشاركة بلاده في الإشراف على الانتخابات المقبلة، الأمر الذي خلق حالة إيجابية دفعت بعض الأطراف العراقية، التي أعلنت سابقاً مقاطعتها للانتخابات، أن تعود للمشاركة مرة أخرى، وهذا إن دل على شيء، فإنه قطعاً يؤكد أن العراق استعاد مساحته، واتخذ مساره الصحيح نحو الصعود، بل إنه عاد رقماً مهماً في معادلة الاستقرار والسلام بالمنطقة.
وسط هذه المكتسبات التي حققها العراق، ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة: كيف نفهم أهمية انتخابات العراق المقبلة؟
قطعاً، إن هذه الانتخابات تمثل استحقاقاً مهماً له دلالات عديدة، يأتي في مقدمتها: أن العراق يواصل بقوة نحو مزيد من الثبات والاستقرار والإصرار على دعم مؤسساته، وصون أمنه القومي، بما يتفق مع مصالح الشعب العراقي وشعوب المنطقة، أما الدلالة الثانية فهي رسالة إلى محيطها العربي، تؤكد عودة بغداد إلى سابق عهدها العربي، تشارك في وحدة الصف، وتسهم في حل المشاكل والتحديات العربية، وأنها ستبدأ مرحلة جديدة من تعزيز العمل العربي المشترك.
تأتي الرسالة الثالثة بعلم الوصول إلى العالم الخارجي، بأن العراق الذي كان في السابق ملاذاً للإرهاب، أصبح عنصراً للاستقرار والأمن الإقليمي الدولي.
في النهاية، نحن أمام خطوة كبيرة، واختبار فاصل لجميع المكونات السياسية العراقية من المشاركة، وإنجاح الاستحقاق الانتخابي المقبل، إذا أردنا استكمال خريطة الطريق نحو العودة الكاملة للدولة العراقية.